العقوبات الصارمة والتعاليم الدينية لم تمنع «السموم البيضاء»معمر عطوي
ربما كان التحدّي الأكبر الذي يواجهه نظام الملالي في إيران، هو مشكلة المخدرات الآتية من الشرق، بيد أن التحدي الأكثر أهمية منه هو كيف يمكن معالجة الأسباب التي دفعت الإيرانيين، ولا سيما الشباب منهم، إلى تعاطي السموم البيضاء، في ظل سياسة اقتصادية عقيمة زادت من مستوى التضخّم ورفعت من نسبة البطالة، فضلاً عن ضيق مساحة الحريّات الشخصيّة، التي تُسهم أيضاً في صناعة أجواء الكآبة واليأس الذي يجرّ بدوره إلى ما لا تُحمد عقباه.
مشكلة عبّر عنها قائد شرطة محافظة خراسان الشرقية، حميد رضا شرفي، في 13 أيلول الحالي، حين أعلن ضبط 20 طناً و430 كيلوغراماً من المخدرات في المحافظة منذ بداية العام الفارسي الحالي (20 آذار الماضي) وحتى الآن.
لقد أصبحت أفغانستان أكبر منتج للأفيون (المكوّن الأساسي لإنتاج الهيرويين) في العالم، وزاد إنتاج هذه المادة هناك بواقع خمسين في المئة العام الماضي ليغطّي 90 في المئة وأكثر من الطلب العالمي، وذلك حسب تقديرات الأمم المتحدة.
والمفارقة أن إيران، التي تتاخم هذا البلد المضطرب، هي «الممر الذهبي» للمخدرات من أفغانستان إلى العالم (يمر عبر أراضيها حوالى ثلثي كمية الهيرويين الآتي من أفغانستان).
لكن على ما يبدو، أن قدرات الحرس الثوري الإيراني وحرس الحدود في الولايات المحاذية لباكستان وأفغانستان، لم تتمكن بعد من حسم المعركة مع عصابات الاتجار بالمخدرات، التي باتت ترتبط بتجّار الأسلحة وبالتناقضات المذهبية في هذه المنطقة التي يغلب عليها الحضور السنّي.
عوامل عديدة يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي بالاقتصادي، فضلاً عن دور قوات الاحتلال الغربي المحيطة بإيران من الغرب والشرق والشمال، كلها أسهمت في جعل هذا البلد المحافظ في المرتبة الأولى لجهة استخدام المخدرات في العالم. وبحسب منظمة «اليونيسف»، فإن معدل إدمان المخدرات في إيران من أعلى المعدلات في المنطقة.
إضافة إلى آثاره الاجتماعية والاقتصادية، أصبح إدمان المخدرات عاملاً أساسياً يُسهم في الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب ومرض الإيدز.
يؤكد هذه الوقائع قائد قوات الشرطة الإيرانية، العميد إسماعيل أحمدي مقدم، بقوله إن ايران تتحمّل سنوياً نفقات تصل إلى 600 مليون دولار في مكافحة المخدرات، بينما ينفق المجتمع الدولي 60 مليون دولار فقط في هذا المجال.
ويوضح العميد مقدم، خلال أحد المؤتمرات التي عقدت في طهران لمناقشة هذه الأزمة، الإجراءات التي اتخذتها بلاده في مجال مكافحة المخدرات، قائلاً: «إن قوات الشرطة الإيرانية قدمت خلال العقود الثلاثة الماضية 3600 شهيد و12 ألف جريح في مجال مكافحة المخدرات». وأضاف أن المخدرات تستهدف الطبقة الشابة في كل المجتمعات وأن إيران تحمّلت نفقات كبيرة في مجال علاج مدمني المخدرات والإجراءت الأمنية.
وكان تقرير آخر أعدّته هيئة الشؤون الثقافية والفنية في طهران في عام 2002، قد ذكر أن هناك نحو مليوني مدمن مخدرات في البلاد، بعضهم من تلاميذ المدارس. ويقدر أن نحو خمسة أطنان من المخدرات تستهلك يومياً في طهران.
غير أن رئيس منظمة السلامة الاجتماعية الإيرانية، محمد رضا راه جمني، يكشف أن ثلاثة في المئة من مجموع السكان في إيران مدمنون حالياً للمخدرات.‏
ويقول جمني، الذي رعى افتتاح المركز الصحي لمعالجة ‏مدمني المخدرات في مدينة كركان (شمال إيران) العام الماضي، إن «ثلاثة في المئة من ‏مجموع السكان البالغ عددهم حوالى 70 مليوناً، يدمنون المخدرات، وهي نسبة تمثّل 5 في المئة من مجموع السكان الراشدين».
وحسب وزارة الصحة في عام 2007، تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الشباب، بدءاً من 15 عاماً، الذين يتعاطون المخدرات في إيران، بلغ 12 في المئة. کذلك فإن 15 في المئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 13 ـــــ 15 عاماً يدخّنون النارجيلة، في حين 3 في المئة منهم يدخنون السيجارة.
ولم تسلم النساء من هذه الآفة، إذ أظهر تقرير مستقل صدر في عام 2005 أن عدد النساء المدمنات في إيران يتراوح بين 100 و150 ألف امرأة. (أي إن 9.6 في المئة من المدمنين نساء)، بينما تتحدث وزارة الصحة الإيرانية عن وجود امرأة في مقابل 8 رجال مدمنين. فيما تقول إدارة السجون إن 50 في المئة من السجينات مدمنات.
ويعزو الباحث كيم هاولز، تزايد نسبة المتعاطين، في دراسة أعدّها عن قضية المخدرات في المنطقة ونشرت في العام الماضي، إلى أن مهربي المخدرات في يومنا هذا لا يدفعون أموالاً نقدية لمن يوزعون المخدرات، بل يمنحونهم حصة من هذه السموم البيضاء، «وبالتالي هناك أسواق جديدة تبرز على طول دروب تهريب المخدرات، وهذا يعني تعلق مدمنين جدد بآفة الإدمان».
ورغم العداوة التي كانت تربط بين إيران وجارتها أفغانستان إبان حكم طالبان، فإن تفاهماً بين البلدين برز إلى العلن يتعلق بدعم مشروع الزراعة البديلة للمخدرات. وقدّمت طهران في سبيله خمسين مليون دولار لدعم مشاريع لزراعة الحبوب بدلاً من المخدرات في أفغانستان، التي تبقى خاصرة إيران المؤلمة، سواء في القضايا الأمنية والسياسية أو القضايا المتعلقة بنشر السموم البيضاء بين أجيال لم تستطع العقوبات الشديدة والتعاليم الأخلاقية ردعها عن التعبير عن «حريتها» حتى بأبشع الصور الممكنة للتعبير.


المخدرات والإرهابويقول، في مقابلة مع صحيفة «الغارديان» نُشرت في 11 أيلول الجاري: «إن الوضع في أفغانستان، للأسف، يزداد سوءاً يوماً بعد يوم وقاد إلى تزايد تهريب الأفيون عبر الأراضي الإيرانية من أفغانستان وبمعدل خمسة أضعاف خلال السنوات القليلة الماضية».
وبعد عودته من زيارة للندن، كشف صفري عن أن «هناك الآن 350 معملاً في أفغانستان تقوم بتحويل الأفيون إلى مخدرات أخرى، من بينها الهيرويين، وتهريبها عبر إيران، 65 في المئة منها موجودة في إقليم هلمند»، حيث تنتشر غالبية القوات البريطانية.
ويشدّد المسؤول الإيراني على وجود رابط قوي بين المخدرات والإرهاب، «لأن المخدرات تموّل العمليات الإرهابية».
(يو بي آي)