باريس ــ بسّام الطيارةيستعد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، للتوجه غداً إلى الصين في زيارة هي الثانية من نوعها منذ وصوله إلى الإليزيه. زيارته الأولى تمت تحت شعار «تسويق منتجات فرنسية» وكُلّلت بأرقام مبيعات وصفقات كان أبرزها «ثلاث محطات نووية حديثة لتوليد الطاقة» وعشرات طائرات «الإيرباص». أما الزيارة الثانية، فهي لحضور افتتاح الألعاب الأولمبية إلى جانب عدد من زعماء دول العالم المدعوين.
خففت أرقام الصفقات التي أعلنت بعد الزيارة الأولى من حدة هجمات منتقدي «وضع حقوق الإنسان في الصين»، وتساعد العطلة الصيفة في تبريد حماسة المنظمات غير الحكومية والناشطين في مجالات حقوق الإنسان منتقدي «الذهاب إلى الصين من دون مقابل». إلا أن الغريب هو أن الانتقادات تصل إلى فرنسا من البلاد الصفراء لتقول إن «ساركوزي غير مرحب به» في بكين.
لا يستطيع أي مراقب الجزم بأسباب «نقمة الصينيين» على ساركوزي وفرنسا في هذه الفترة، وخصوصاً أن الانتقادات لسجل حقوق الإنسان تنهمر على بكين من شتى البلدان، وخصوصاً بعد حدثين؛ الأول «رقابة الإنترنت» التي اكتشفها الصحافيون حال وصولهم إلى البلد المضيف، والثانية إعلان حظر الحديث عن التيبت والأقليات في المؤتمرات الصحافية والطلب من المتابعين «التركيز على الحدث الرياضي». وإذا أراد هؤلاء «الحديث في السياسة» فقد دعاهم الناطق الرسمي لـ «الإشادة بالتقدم الذي تشهده الصين وسعادة الشعب باستقبال ضيوفه».
هل يعود سبب تركيز حملة الانتقادات على فرنسا إلى أن ساركوزي أخّر جوابه عن حضور الألعاب الأولمبية «أربعة أشهر»، كما ذكر دبلوماسي آسيوي لـ«الأخبار»، وربطه بعدد من الشروط قبل أن يتخلى عنها واحداً تلو الآخر؟ أم أنه بسبب إعلان الإليزيه «مسبّقاً» تحديد موعد لاستقبال الدالاي لاما؟.
المهم أن رد الفعل الصيني كان ولا يزال عنيفاً. فقد تقرر مقاطعة «المخازن الكبرى الفرنسية» (كارفور) في المدن الصينية، وسحب اسم فرنسا من لائحة وجهات السياحة المعروضة للصينيين. وتراجع الإقبال على شراء سيارات فرنسية مجمعة في الصين.
ورغم اعتراف أكثر من خبير بأن «الصفقات الكبرى لن تتأثر بهذا التيار»، إذ إن نسبة كبيرة من مجمل قيمة المبيعات الفرنسية للصين، التي تبلغ نحو ٩ مليارات يورو، ترتبط بعقود موقعة من الدولتين (إيرباص، أريفا نووياً، ألستوم قطار سريع بين بكين وتيانجين)، إلا أن جميع المتابعين للملف يرون أن من الضروري «إخراج العلاقات الفرنسية ـــــ الصينية من ضباب سوء التفاهم»، رغم أنهم يعترفون بأن زيارة ساركوزي القصيرة لن تفلح بكسب ود المواطنين الصينيين، وأن زعماء بكين يستعملون ما يحصل مع ساركوزي وفرنسا كـ «فزاعة للدول الأخرى» لعدم التدخل في الشأن الصيني.