الردّ الإيراني «المخيّب» على عرض الحوافز لم يدفع الدب الروسي إلى السير مع التيار الأميركي ــ الإسرائيلي نحو «تشديد الحصار»، ما يُسقط الإجماع على أي عقوبات محتملة
نيويورك ـ نزار عبود
إذا كان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز يعتقد أن حل قضية الملف النووي الإيراني يكون بالحصار والعقوبات المدعومة دولياً، من دون هجوم عسكري، فإن مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بدّد تلك الآمال، وأظهر أن العالم لا يزال بعيداً عن الإجماع في هذا الخصوص.
موقف بيريز برز من خلال حديث أجراه مع إحدى المحطات اليهودية الأميركية، أول من أمس، حيث استدل بالأزمات النووية لكل من أوكرانيا وليبيا وجنوب أفريقيا وكوريا الشمالية كي يثبت أن الحصار والعقوبات تؤتي ثمارها. قال إن «أوكرانيا تخلّت طوعاً عن برنامجها النووي لاعتبارات اقتصادية وسياسية. ثم رضخت ليبيا تحت الضغط والحصار، وفكّكت معداتها النووية وسلّمتها. وكذلك أسقط الحصار نظام جنوب أفريقيا العنصري، وانتهت معه أحلامه بامتلاك سلاح نووي. واستبدلت كوريا الشمالية أسلحتها بالخبز. وكذلك إيران سترضخ تحت وطأة الحصار الدولي، لأن عليها أن تطعم سبعين مليون نسمة سيجوعون من جرّاء الحصار».
وأضاف بيريز: «إسرائيل ليست في حاجة إلى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، لأن العالم متحدّ ضدها وسيحاصرها». والفضل في ذلك يعود، بحسب رأيه، إلى تطرّف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
لكن هناك بعض المفارقات التي تدل على مغالطات بيريز في شأن «العالم متحد ضدّها وسيحاصرها». الأولى متعلّقة بالصين، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، والتي تبدو غير مرتاحة بتاتاً للتغطية السياسية الغربية للألعاب الأولمبية في بكين. وهي أيضاً تشعر بعدم رضى عن تردّي قيمة استثماراتها في الولايات المتحدة. امتعاض صيني قد يحول دون صدور قرار من مجلس الأمن من إعداد واشنطن وحلفائها الغربيين.
الثانية والأشدّ متعلقة بالدب الروسي، ومرتبطة بقلقه من الحصار العسكري الذي يزحف نحوه عبر حلف شمالي الأطلسي، من خلال أنظمة الصواريخ الدفاعية الأميركية، عدا عن التودّد الإيراني إليه عبر العلاقات الاقتصادية والعسكرية. لذا سارع تشوركين إلى نفي ما نُسب إليه من أنّ روسيا موافقة على المضي في تشديد الحصار الاقتصادي والعسكري على إيران، ولا سيما ما ورد على لسان نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة أليخاندرو وولف، حين قال إن «الرسالة التي قدّمها الإيرانيون إلى سولانا مخيّبة للآمال ولا تمثّل ردّاً. ونحن (مجموعة 5+1) نجري مشاورات، بما في ذلك مع الاتحاد الروسي. سيبقى عرضنا الواضح مقدّماً، لكننا في الوقت نفسه نواجه مشكلة. فرغم صدور قرارات دولية عديدة تفرض على إيران وقف التخصيب، فإنها لم تكتف بعدم التوقف وحسب، بل تواصل رفع مستوى التخصيب»، مضيفاً «من ينتظر من مجلس الأمن ألا يتخذ موقفاً ويبقى جامداً يكن غير واقعي».
أما تشوركين، فردّ بالقول «ما أعرفه، أنه خلال الاجتماع الوزاري الأخير، حين بحثوا رزمة الحوافز المعروضة على إيران، لم يكن هناك بحث في العقوبات. وعلى حدّ علمي، لم يكن هناك اتفاق ثابت أو تفاهم أو عمل منظّم في هذا الشأن».
ولا يرى المندوب الروسي ضرراً من تأجيل الأمور إلى الشهر المقبل، ويحلو له دائماً أن يكرّر مثال قضية فلسطين عندما يردّ على السفراء الذين يعربون عن نفاد الصبر. فالفلسطينيون يفاوضون ويتحملون منذ ستين عاماً، ولم يضيقوا ذرعاً بالمفاوضات. ويقول «هناك فرصة كي يناقش الوزراء أموراً شتى خلال الجمعية العامة. نحن الآن في السادس من آب، ولا أعتقد أن من التهوّر الافتراض أنّ أيلول سيكون الفرصة المقبلة إذا لم تنحُ هذه المسألة منحى إيجابياً. فأنا لا زلت متفائلاً. البعض يفسر العرض الإيراني بعدّة أشكال، لكن من المهم أن نتذكر أن خط التفاوض مفتوح، وهناك اتصالات بين الأطراف»، رغم إشارته إلى أنّه «كان يفضّل رداً صريحاً ومباشراً من الإيرانيين».
وأضاف تشوركين «البعض يثير قضية العقوبات من حين إلى آخر، لكن يتعيّن علينا أن نركّز كثيراً على الفرص التي تتمخّض عنها المفاوضات. فالمباحثات لم تكن سهلة». وتوقع أن يحصل «بعض التقدم في اتصالاتهم (الإيرانيين) مع الوكالة الذرية». وتابع «دعونا نركز على الفرص التي ستقدمها هذه المفاوضات». وخلص تشوركين إلى القول إن «الدبلوماسية تتعلق بالصبر، ونحن أنجزنا ثلاثة قرارات للحصار، لكنني أعتقد أن لدينا فرصة للتفاوض، وينبغي علينا أن نواصل طريق المفاوضات ونحافظ على زخمها».
المقاربة الروسية للمسألة الإيرانية تحظى بدعم واسع في مجلس الأمن الدولي. في المقابل، تحاول الدول الغربية أن تبدو متفقة كي توظّف دبلوماسيتها للضغط على إيران، إلا أنّها وقد لُسعت بأسعار الطاقة، ترجو الحلّ الدبلوماسي بالطريقة الروسية المدعومة من الصين وجنوب أفريقيا وليبيا وفيتنام وإندونيسيا.