بات رئيس الباراغواي فرناندو لوغو اليوم بحاجة أكثر إلى العناية الإلهية لاجتياز العقبات المتراكمة على درب التغيير المنشود الذي دقت ساعة ترجمته في الواقع.
بول الأشقر
مع تسلّمه سدّة الرئاسة نهار الجمعة الماضي في عاصمة الباراغواي، أسونسيون، بحضور معظم رؤساء أميركا الجنوبية، أدخل المطران السابق والمدني المستحدث، فرناندو لوغو، البلاد المهمشة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في مرحلة جديدة من تاريخها، بالرغم من «المعجزة» التي حققها عندما فاز في شهر نيسان الماضي بالرئاسة وأقصى حزب كولورادو عن السلطة التي احتكرها خلال 61 عاماً من دون انقطاع.
لوغو، الذي كان مرتدياً قميصاً أبيض وبنطالاً رمادياً ونعلاً فرانسيسكانياً، ومتكلماً تارة بالإسبانية وطوراً بالغواراني (لغة السكان الأصليين في البلد الوحيد في أميركا الجنوبية حيث تتكلم أكثرية السكان اللغتين معاً)، حاول في «خطاب القسم» نسج محطات تربط بين أصول الماضي القديم ونضالات الماضي الحديث، والممكن والضروري في الحاضر ومنحى التغيير في المستقبل، وفي ذهنية بلورة هوية قادرة على شمل كل أطراف الشعب ومصالحه، من دون التخلي عن سيرته الشخصية والآمال التي بعثها لدى أفقر سكان البلد ــــ هنوداً وفلاحين من دون أراض ــــ، وهي تأخذ في الاعتبار ميزان القوى المؤسساتي والسياسي الذي نجح في اختراقه رجل دين يساري في ظروف خاصة.
للوصول إلى السلطة عام 2008، كان لوغو والحزب الليبرالي المعارض التقليدي لحزب كولورادو بحاجة بعضهما إلى بعض: في السياسة الرئاسية، فقط شخصية لوغو كانت قادرة على الالتفاف على قوة حزب كولورادو التنظيمية وشبكاتها في الدولة. لكن في السياسة البرلمانية، وجود الحزب الليبرالي في جميع المحافظات كان قادراً على ترجمة هذه «الحاجة إلى التغيير» نواباً وشيوخاً ومجالس محافظات في الولايات. وعلى خلاف وزنه في الحكومة، فإن اليسار في مجلس النواب والشيوخ هو رمزي لا أكثر.
بكلمات أخرى، لا لوغو ولا حكومته اليسارية ــــ الليبرالية ولا الحزب الليبرالي يتمتعون بأكثرية، وهم بحاجة دائمة إلى المعارضات الأكثر يمينية، وحتى إلى تيارات من حزب كولورادو للحصول عليها. أسوأ من ذلك، لا يسيطر الطاقم الجديد على أجهزة الدولة حيث الانتماء لحزب كولورادو ــــ صاحب العمل السابق خلال آخر ستين سنة ــــ كان شرطاً ضرورياً للانتساب. لذلك، يحاول لوغو الآن قبل كل شيء كسب الوقت وتحاشي الخلافات الإيديولوجية في صفوف ائتلافه من خلال التأكيد أن سمة المرحلة هي فصل حزب كولورادو عن الدولة وعن العدالة ــــ على وزن فصل الدين عن الدولة ــــ وإتمام المرحلة الديموقراطية الانتقالية التي لم تكتمل مع بقاء حزب كولورادو في السلطة، حتى بعد سقوط الديكتاتور ستروسنير، أي تثبيت الدعائم قبل معالجة المفارقة بين تسويات الواقع المؤسساتي وقساوة الوضع الاجتماعي.
إلا أن وصول فرناندو لوغو «المطران» اليساري إلى السلطة كتنويعة إضافية لأوجه التغيير الأميركي الجنوبي ــــ إلى جانب الهندي والعامل والعسكري والاقتصادي ــــ، ينقل الباراغواي فجأة من عالم مقفل، مستبد، فاسد، ظالم، إلى بلد عادي «لا يخاف فيه البعض عندما ينامون، ولا ينجح بالنوم بعض آخر من شدة الجوع»، حسبما قال لوغو في خطابه، الذي بدأ ينتمي إلى رياح أخرى أكثر نقاءً.
ولوغو الذي فرض على البابا بنديكتوس السادس عشر أن يتراجع ويمنحه عودته إلى الحياة المدنية، لم يتردد في خطابه في إعادة تأكيد انتمائه إلى «لاهوت التحرير» ومفكّريه المنبوذين «فاتيكانياً»، فيما أسرّت شقيقته ــــ التي تكبره سناً والتي ستؤدي بروتوكولياً دور السيدة الأولى ــــ بين المزح والجدّ بأنه «قد يعود إلى العمل الديني بعد انتهاء ولايته».
لوغو الذي كان يغني مع الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز على المسرح أغنية «ساعة التغيير»، ألحق الباراغواي بباقي القارة اللاتينية، بينما خسرت الولايات المتحدة حليفاً تقليدياً إضافياً. غير أنه وللتوفيق بين الحاجة إلى إصلاح زراعي جذري يبدأ بحصر ملكية الأرض وتقديم حد أدنى من الخدمات الاجتماعية في ثاني أفقر دولة في المنطقة، استعان لوغو بالاقتصادي الأميركي جوزف ستيغليتز.
وكان لوغو قد وعد في خطاب القسم برفع مستوى الضغط الضرائبي الذي يعدّ في الباراغواي من المستويات الأدنى في العالم، إذ لا يصل إلى 12 في المئة من الناتج، بينما يراهن لتوسيع هامشه الاقتصادي وتمويل مشاريعه الاجتماعية الضاغطة على مصير المفاوضات مع البرازيل ــــ والأرجنتين بنسبة أقل ــــ للحصول على ما تراه الباراغواي حقوقها المهضومة في منشآت الطاقة المشتركة. وعلى ما يبدو، فإن مراهنته على الموارد هي الكفيلة بإنجاح أو إفشال ولايته.