بدا أن الحرب في القوقاز، خلقت تحوّلاً في الموقف الألماني، الذي بدأ يميل شيئاً فشيئاً نحو الولايات المتحدة، لكنها خلقت في الوقت نفسه أصواتاً ألمانية متضاربة، تشير إلى تصدّع في «التحالف الحاكم» لجهة الموقف من الصراع
برلين ــ غسان أبو حمد
عكس التدخّل الألماني الرسمي في النزاع الروسي ـ الجورجي ذاته سلبياً على طبيعة التحالفات الحزبية الداخلية في ألمانيا، ولا سيما أن موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عُدّ قريباً من الموقف الأميركي، على عكس تصريحاتها في بداية الأزمة.
ميركل، التي عمدت إلى استفزاز موسكو أول من أمس، بالإشارة إلى ضم جورجيا للحلف الأطلسي، كان قد سبق أن امتنعت عن إعلان إدانة صريحة وواضحة لأي من الطرفين. وقالت إن «بعض التصرفات الروسية لم تكن متناسبة» قبل أن تنتقد الطرفين في الصراع. أما الآن، فإن البعض يرى أن موقف برلين يقترب رويداً رويداً من الموقف الأميركي، وإن كان لا يزال في طور الانتقاد اللطيف ولكن الحازم.
ويذكر أن ميركل نفسها كانت قد عارضت، خلال قمّة حلف شمال الأطلسي في نيسان الماضي، طلب إعطاء جورجيا صفة المرشح الرسمي للانضمام إلى الحلف، وذلك على الرغم من التأييد الذي أبدته واشنطن للمسعى الجورجي.
موقف ميركل أثار موجة من الانتقادات الداخلية. ورغم وحدة موقف «التحالف الحاكم» الذي عبّرت عنه المستشارة، كشف المستشار السابق غيرهارد شرودر عن موقف سياسي معارض ومميّز، تجسّد في انتقاده الواضح لسياسة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي وتحميله مسؤولية النزاع.
فقد وصف شرودر شخص ساكاشفيلي بأنه «طائش ومغامر». وحذّر من خطورة ضمّ جورجيا سريعاً إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ورأى أن تحركات ساكاشفيلي الأخيرة ضدّ موسكو أبعدته خطوات كثيرة عن تحقيق أحلامه ومشاريعه السياسية. ووصف تحرك رئيس جورجيا لضمّ «المقاطعات» المستقلة والمنفصلة، بأنه «الشرارة التي أشعلت فتيل التوتر والنزاع في البلقان».
وردّ شرودر على إعلان ميركل أن جورجيا ستصبح عضواً في الحلف الأطلسي، بالتحذير من «خطورة أي خطوة سياسية تبادر إليها جورجيا خلافاً لإرادة روسيا». ورحب بمشاركة قوة ردع عسكرية ألمانية ضمن «قوة سلام» تابعة لمجلس الأمن الدولي في أوس، لكنه اشترط موافقة روسيا على هذا القرار وتأييدها له. وحذر من أن تؤدي مواقف برلين ضدّ سياسة موسكو إلى «ضرب عقد التحالف والتعاون الأخوي بين الطرفين». وقال: «إن روسيا هي جزء لا يتجزأ من أوروبا».
وجاءت تصريحات شرودر، لتكشف عن وجود تصدع في «جبهة الحكم»، وخصوصاً ما أعلنه سياسيون من الحزب «المسيحي الديموقراطي» والحزب «الليبرالي»، الذين ردوا بعنف على موقف المستشار السابق بالطلب منه «أن يمارس الصمت عندما يتطرق إلى الأزمة في القوقاز».
وقال مسؤول السياسة الخارجية في حزب «التجمع المسيحي»، كارل تيودور، «عندما أسمع تصريحات شرودر، يلازمني الشعور بأن هذه التصريحات تخدم مصالحه الشخصية وعلاقاته». أما مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب المسيحي الديموقراطي، أيكارت فون كلايدن، فقال: «إن غيرهارد شرودر هو صوت موسكو الرسمي في ألمانيا». كذلك توالت تصريحات المسؤولين في التحالف الحاكم تدين جميعها مواقف المستشار السابق وترى أنها «فاتورة» يقدمها شرودر ثمناً لارتباطه بعقود ومشاريع وقّعها مع موسكو إبان حكمه.
إلى ذلك، شُغلت الصحف الألمانية خلال الأزمة الحالية بالحديث عن صاحب السلطة في موسكو. وأجمع المراقبون السياسيون على اعتبار فلاديمير بوتين «الرجل القوي» وأن الرئيس الحالي لروسيا ديمتري مدفيديف لم ينجح في المئة يوم الأولى من تسلّمه لمقاليد السلطة.
ويرى خبير الشؤون الروسية في وكالة الأنباء الألمانية، إينغو مانتويفيل، أن مدفيديف «في أول يوم من اندلاع الحرب بدت عليه الحيرة والتردد، كما أظهر عجزه عن تولي منصب القائد الأعلى للقوات الروسية المسلحة. وكالمعتاد، كان بوتين هو من يُسطّر الخطوط العريضة للسياسة الروسية على الرغم من كونه في ذلك الوقت في بكين البعيدة». ويضيف «ومن خلال زيارته المفاجئة يوم السبت الماضي إلى فلاديكافكاس في شمال إقليم أوسيتيا الجنوبية، أبرز فلادمير بوتين أنه فعلاً سيد الموقف. فيما بدا مدفيديف كأنه تحول إلى نائب لبوتين، واقتصر دوره على تحويل الأوامر لسياسة بوتين العسكرية المتشددة ضد جورجيا».
وكان لافتاً تخصيص مجلة «دير شبيغل» غلافها لصورة رئيس الوزراء الروسي وتحتها عبارة «فلاديمير بوتين هو جار الغرب الخطير».