أرنست خوريمثّل استقبال حكّام تركيا لمحمود أحمدي نجاد إشارة إلى أنّ عبد الله غول ورجب طيب أردوغان باتا قادرين على تخطّي انتقادات واشنطن وتل أبيب في قرار بالغ الحساسية كاستقبال «رأس محور الشرّ»، وقادرين أيضاً على الاستخفاف بالمعارضة الداخلية التي أثارت قضيّة «هروب» نجاد من «واجب» زيارة قبر أتاتورك. الرأي الغالب في أنقرة يقول إنّ قوّة الدبلوماسيّة التركية باتت تسمح لها بعدم التخوّف من «عقاب» محتمل أن يواجهه حكّام حزب «العدالة والتنمية». إلا أنّ أصواتاً قليلة توقّعت أن تقدم واشنطن على قرارت عقابية بحقّ تركيا، عن طريق إلغاء التنسيق العسكري بين البلدين في محاربة حزب العمال الكردستاني.
غير أنّ جولة نجاد أشعرت البعض من المتخوّفين من العباءة الإسلامية في تركيا بأنهم لا يعيشون في بلدهم. فحين زار نجاد المسجد الأزرق الشهير في إسطنبول لأداء صلاة الجمعة، تجمّع المئات من الإسلاميين الأتراك، وردّدوا العبارات المناصرة للنظام الإيراني ولثورته الإسلامية، ولنجاد شخصياً. كما قطعوا الصلاة وتجمهروا بأعداد كبيرة حول الضيف لأخذ الصور التذكارية إلى جانبه، ما حدا بإمام المسجد إلى التدخّل وتأنيب أنصار نجاد بقسوة.
حادثة اقتنصها المعارضون لحكومة أردوغان لتصويب سهامهم على نجاد، لكن خصوصاً ضدّ حكومة أنقرة «الإسلامية». فقد أشار نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري (أكبر حزب معارض) أنور أويمن إلى أنّ حادثة المسجد الأزرق حوّلت البلاد من دولة علمانية إلى شيء «لا يشبه تركيا ولا إسطنبول».
وفي تعليقه، بدا من كلام أويمن أنّ انزعاجه وزملاءه من الزيارة لا علاقة له بالبروتوكول الذي خرقه نجاد عندما تحاشى الذهاب إلى متحف أنيتكبير، بل هو متّصل أساساً بانحياز علمانيي تركيا إلى وجهة النظر الغربية في الملف النووي الإيراني الذي سعت أنقرة إلى تأدية دور الوسيط فيه. وكان أويمن شديد الوضوح بشأن هذه النقطة عندما قال: «نريد علاقات جيرة حسنة مع إيران، لكن الأجواء الحاليّة التي ترافق مفاوضاتها مع مجموعة الـ5 زائد واحد هي بعيدة عن إعطاء تلك الزيارة طابعاً شرعياً». كذلك فإنّ إخفاق الرئيسين، نجاد وغول، في التوقيع على الاتفاقيّة النفطية دفع بالمشككين في جدوى زيارة نجاد إلى وصفها بأنها كانت «هدية مجانية لنجاد على حساب تركيا وصداقتها مع الغرب». فبحسب افتتاحيات صحف تركية عديدة نُشرت في ثاني أيام الزيارة، «أهدى أردوغان وغول ضيفهما الإيراني جواز سفر مجانياً لفكّ الحصار الدولي المفروض عليه من خلال السماح له بزيارة أوّل دولة عضو في حلف شمالي الأطلسي»، كلّ ذلك مقابل ماذا؟ في مقابل وعد من نجاد ببذل جهود لكي يصل معدّل التبادل التجاري بين بلاده وتركيا إلى 20 مليار دولار في عام 2012!