من دبلوماسيّة الوساطات... إلى كرة القدم
أرنست خوري
من أين يأتي القيّمون على الدبلوماسية التركية بكل هذه الحيوية ليوزّعوا وساطاتهم ومبادراتهم السلميّة على جميع الجبهات؟ في الأمس قرّروا مدّ جسور التفاوض غير المباشر بين إسرائيل وسوريا. بعدها عرضوا التوسّط بين الغرب وإيران بشأن الملف النووي. ثمّ أثارتهم نيران الحرب القوقازيّة فانبروا لتأسيس «تحالف من أجل السلام والاستقرار قي القوقاز والبحر الأسود». عنصر مشترك واحد يجمع بين هذه المبادرات المكوكية: جميعها تحاكي أوضاعاً حربيّة تجاور الأراضي التركية.
لكن وصول دبلوماسيّة حكّام أنقرة إلى حدّ التلميح بتأدية دور محتمل بين الغرب (ممثّلاً بالمحكمة الجنائية الدولية) والنظام السوداني بشأن اتّهام عمر البشير بارتكاب الإبادة الجماعية في دارفور، يؤشّر إلى إقدامهم على خطوة بعيدة جيو ــ سياسياً عن مصالح تركيا في استقرار محيطها.
تركيا تتصرّف مع حكّامها الإسلاميين المعتدلين كدولة عظمى لا تستأذن أحداً قبل الإبحار في المحيطات الهائجة. مبادراتها تزعج أحياناً بعض المعنيين بالصراعات. على سبيل المثال، فإنّ عرضها القوقازي لم يعجب واشنطن البتّة. حتّى إنّ نائب وزيرة الخارجية الأميركية ماثيو بريزا كشف عن أنّ إدارته لم تُعلَم رسمياً بالمبادرة التركيّة، وهو أعرب عن تفاجئه ومسؤوليه بها.
لكن القافلة التركيّة تسير وبسرعة في المشروع. فرئيس الحكومة رجب طيب أردوغان اتّصل بنظيره الروسي فلاديمير بوتين وبالرئيس ديميتري مدفيديف ونقل عنهما «ترحيبهما» بالمبادرة ــ التحالف الذي «سيتكوّن من 5 دول». ترحيب شجّعه على المباشرة فوراً باللقاءات مع المعنيين بالتحالف. إحدى تلك الدول الخمس ستكون أرمينيا. دولة لا حاجة للتذكير بمدى العداء التاريخي الذي تكنّه لتركيا والعكس صحيح. لكن أردوغان يؤمن بمبدأ «لا عداوات دائمة في السياسة بل مصالح دائمة». لذلك أعلن أنّه سيتواصل مع القيادة الأرمينية «على أن تُحدَّد مستوى اللقاءات بعد اجتماع (وزير خارجيته) علي باباجان مع نظيره الروسي سيرغي لافروف».
المحطّة الأولى التي سيطأها أردوغان في رحلة «التحالف من أجل القوقاز» سوف تكون العاصمة الأذرية باكو، العدو اللدود ليريفان. غير أنّ تأكيد رئيس الوزراء لحتميّة تواصل بلاده مع أرمينيا سيسهّل لا شكّ على الرئيس عبد الله غول قبوله دعوة نظيره الأرميني سيرج سركيسيان لحضور مباراة كرة القدم التي ستجمع بين منتخبي بلديهما في يريفان في 6 أيلول المقبل «لفتح صفحة جديدة من العلاقات» عبر «دبلوماسيّة كرة القدم» مجدّداً.