Strong>ملامح حرب باردة جديدة بدأت ترتسم على ما يبدو في الشرق الأوسط. صفقات أسلحة أعلنت موسكو انفتاحها على إبرامها مع دمشق تهدد بـ«كسر توازن» المنطقة، مكافأة للرئيس بشار الأسد على خرقه للحصار الذي تحاول واشنطن فرضه على الدب الروسي يبدو واضحاً، من خلال تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته الروسية، أنّ دمشق أدركت جيداً التحول الجديد في روسيا والعالم بعد حرب جورجيا، من ناحية تكريس موسكو نفسها قوّة عالمية سيسعى كل من يعاني الهيمنة الأميركية في العالم إلى التحلق حولها.
من هنا، جاء كلام الأسد عن الصواريخ الروسية على أراضي بلاده، كما تلميحه إلى ضرورة انخراط روسيا في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، بعدما أعرب عن دعمه الكامل لموسكو في صراعها مع الغرب في جورجيا. مبادرات تلقّفتها روسيا بسرعة، مؤكدة رغبتها بيع دمشق أحدث أسلحتها، في خطوة تعبّر من خلالها عن عزمها على العودة إلى الشرق الأوسط، حيث ظلّت واشنطن لعقود الناظم الوحيد لجدلية القوة فيه.
جميعها معطيات تفسّر «الذعر» الإسرائيلي الذي عبّر عنه عدد من الرسميين في تل أبيب، كذلك التسريبات التي نشرتها صحيفة «تايمز» ومفادها أنّ أجواءً جديدة من الحرب الباردة الأميركية ــــ الروسية ستعود وتهيمن على الشرق الأوسط، وستكون سوريا أداتها الرئيسية.
ويبدو أنّ الدور الروسي المستقبلي في الشرق الأوسط فتح شهيّة حكّام العرب لزيارة الأراضي الروسية. وبالفعل، وصل الملك الاردني عبد الله الثاني إلى موسكو من ضمن جولة تشمل فرنسا وتركمانستان، يبحث خلالها الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط و«جهود تحقيق السلام والاستقرار فيها»، على أن يلتقي الرئيس ديميتري مدفيديف يوم الأحد المقبل.
ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» عن الرئيس السوري قوله إنه «باستطاعة روسيا تقديم دعم ومساعدة في مجال تطوير الحوار السوري ــــ الإسرائيلي» الجاري بوساطة تركية.
وشدّد الأسد على عزم بلاده على تطوير علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو، لأنّ هذه العلاقات «تصبّ في مصلحة الأمن العالمي».
كذلك كشف مصدر في الكرملين عن أن الأسد ومدفيديف بحثا في لقائهما، الذي شارك فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، «التعاون بين البلدين في مجال الطاقة والاقتصاد عموماً، ومسائل التسوية في الشرق الأوسط، والبرنامج النووي الإيراني». ودعم الرئيسان جهود التوسّط بين حركتي «فتح» و«حماس»، وأكدا «ضرورة توفير الظروف المناسبة التي تتيح للعراقيين إدارة شؤون بلادهم بأنفسهم، من دون أن يغيب عنهما التشديد على تأييد حلّ سلمي للمشكلة النووية الإيرانية».
ورأى مدفيديف أنّ «العلاقات الروسية ــــ السورية تُعدّ عاملاً رئيسياً في الحوار بشأن أكثر القضايا الدولية تعقيداً وأهمية». وأوضح «أنّ الجانبين ناقشا شؤون التسوية في الشرق الأوسط»، وتناولا «المشاكل الجديدة التي ظهرت في الفترة الأخيرة»، مشدداً على أنّ العلاقات الروسية ــــ السورية «تتطور باطراد، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي».
في المقابل، أعرب لافروف عن استعداد موسكو بيع سوريا أنواعاً جديدة من الأسلحة، وذلك ردّاً على طلب سوري. وقال «نحن مستعدون لبحث الطلب السوري المتعلق بشراء أنواع جديدة من الأسلحة». وفي إشارة بدت كأنها لتهدئة الذعر الإسرائيلي، تابع لافروف «موقفنا واضح: سنكون جاهزين لبيع سوريا هذه الأسلحة التي تمتاز قبل كل شيء بطابع دفاعي ولا تنتهك بأي شكل من الأشكال التوازن الاستراتيجي للقوى في المنطقة».
ورغم أنّ الوزير الروسي لم يوضح أنواع هذه الأسلحة، فإنّ «إنترفاكس» نقلت عن مصدر روسي رفيع المستوى قوله إن الحديث يدور حول النظام المضاد للصواريخ «بانتسير أس 1» ونظام صواريخ أرض ــــ جو متوسطة المدى «بوك أم 1»، وطائرات مقاتلة ومعدّات عسكريّة ثقيلة أخرى.
والمفاوضات بشأن الأسلحة تترجم ما سبق وقاله الأسد لعدد من الصحف الروسية قبيل بدئه «زيارة العمل» إلى روسيا عن أنّ بلاده «مهتمة بشراء أسلحة» روسية، مشيراً إلى أنّ «الوضع الذي نشأ عن النزاع الروسي ــــ الجورجي سيعزز مشاريعنا في مجال التسلّح».
وفي تكرار لما قاله أول من أمس، جدد الأسد دعمه الكامل والمطلق لروسيا في حربها ضدّ جورجيا، لكون التحرك الروسي جاء «رداً على الاستفزازات الجورجية»، وبذلك أصبحت سوريا ثاني دولة تدعم موقف روسيا في الحرب، بعد روسيا البيضاء.
وقارن الأسد بين المشكلة في القوقاز وعملية التسوية في الشرق الأوسط باعتبار أنّ المنطقتين «تتميزان بأهمية استراتيجية».
من جهتها، اختصرت صحيفة «تايمز» التطور الحاصل على جبهة التحالف الروسي ــــ السوري، جازمةً بأنّ توجه سوريا لنشر صواريخ روسية على أراضيها وشراء أسلحة من موسكو «يثير مخاوف من اندلاع حرب باردة جديدة في الشرق الأوسط». وأكّدت الصحيفة أنّ موسكو ستعرض على دمشق «إحياء قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس التي يعود تاريخ العمل بها إلى أيام الحرب الباردة، في خطوة ستمنح البحرية الروسية أول موطئ قدم لها في مياه البحر الأبيض المتوسط منذ نحو عقدين».
وعن هذه النقطة، أشار لافروف إلى أنّ بلاده تعتزم «مواصلة استخدام موانئ البلدان الصديقة، وخصوصاً الواقعة على البحر المتوسط، باعتبار أنّها منطقة حساسة للغاية لا بد من مراقبتها من أجل التأكد من عدم استخدامها من جانب إرهابيين دوليين».
وفي تحليلها للخطوة، أشارت الصحيفة إلى أنّ التقارب الجديد بين البلدين «يعزّز إمكان أن يلجأ الكرملين إلى إعادة إحياء تكتّله المعادي للغرب مع الحلفاء السابقين للاتحاد السوفياتي».
ونقلت الصحيفة أجواء خوف موجودة في إسرائيل من تحوّل الشرق الأوسط من جديد إلى مسرح تمارس فيه القوّتين العظميين (الولايات المتحدة وروسيا) تأثيرهما سياسياً وعسكرياً، لأنه «مع قيام إسرائيل والولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري لجورجيا، فإن موسكو سترد بالمثل من خلال تقديم الدعم إلى سوريا».
ومن أبرز ما جاء في الخبر الرئيسي لـ«التايمز»، اعتبارها أنّ الإصرار السوري على الانفتاح على روسيا هدفه «إيجاد مخرج من أيّ تعهّد ملزم» قد تصل إليه دمشق مع تل أبيب ويقضي بفكّ التحالف الاستراتيجي مع طهران.
وكشفت الصحيفة عن أنّ بعض الإسرائيليين «يخشون من احتمال أن يشجّع التقارب الروسي ــــ السوري دمشق على استعادة مرتفعات الجولان بالقوة».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)