دمشق ـ سعاد مكرماستبق الرئيس السوري بشار الأسد زيارته إلى روسيا، الأربعاء الماضي، بإعلان استعداد بلاده «للتعاون مع روسيا في كل ما من شأنه أن يعزز أمنها». إعلان منح الشعور بأن سوريا، التي استعادت عدداً كبيراً من أوراق اللعب، بدأت الآن بتجميع أوراق إضافية تعزز دورها الإقليمي الذي استعادته بعد اتفاق الدوحة، والذي توضّح في زيارة الأسد إلى فرنسا، وتكرّس في الحركة الدبلوماسية الناشطة على خط إيران ــــ سوريا ــــ تركيا، فيما يشبه بناء محور ثلاثي جديد في المنطقة، يسدّ الفراغ الذي أحدثه تخلخل أو انفراط عقد المحور الثلاثي الذي ظل قائماً طيلة العقود الماضية مصر ــــ السعودية ــــ سورية.
ولا شك في أن الوضع الراهن في جورجيا مثّل فرصة جديدة أمام دمشق للتحرك باتجاه روسيا. وبحسب محلل سياسي سوري بارز، فإن سوريا ترى أن التطورات الأخيرة «قد تفرض في المستقبل القريب عملية اصطفاف في المنطقة، وأن الوضع الراهن في جورجيا لن يكون محصوراً في القوقاز، بل ستكون له ارتدادات تصل إلى دول المتوسط، وقد تكون بداية لحرب باردة في ظل تعرّض سياسة واشنطن لعدد من الإخفاقات وتساقط حلفائها الذين بدأت تتخلى عنهم، الواحد تلو الآخر». ويضيف أن «تراجع الدور الأميركي والدخول في الوقت الضائع بين إدارتين، أفسحا في المجال لمعسكر الدول المناوئة للسياسة الأميركية، وفي مقدّمها إيران وسوريا، ليسعى إلى استثمار الزمن الضائع كفرصة استثنائية لتدعيم مواقعه ومواقفه».
ووفقاً لمصادر سورية مطّلعة، «كان من المفترض أن يرافق الأسد إلى موسكو وفد سوري رفيع المستوى مع فريق من الإعلاميين، لكن يبدو أنّ تغيراً طرأ على البرنامج قبل نحو أسبوعين من موعد الزيارة، وتقرر أن تكون زيارة عمل إلى مدينة سوتشي الروسية لا إلى العاصمة، ولن يصطحب فيها فريق من الإعلاميين كما جرت العادة في زيارات الأسد الرسمية».
وراحت الأوساط السياسية السورية تتحدث عن زيارة «استراتيجية»، ومن ثم جاء حديث الأسد إلى الصحافة الروسية قبيل مغادرته دمشق ليؤكد أن لقاءه الرئيس ديميتري مدفيديف يهدف إلى ما هو أبعد بكثير من ذلك، وخاصة أن هذه الزيارة تأتي بعد زيارتين قام بهما إلى كلّ من طهران وأنقرة، وقبل زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى دمشق في الرابع من الشهر المقبل، وبالتزامن مع تأزّم العلاقات الروسية ــــ الإسرائيلية والروسية ــــ الأميركية.
وترى الأوساط السياسية السورية أن الإخفاقات التي تسجّلها سياسة الإدارة الأميركية في المنطقة وفشل سياسة عزل سوريا وإيران، كلّها تصب في قناة تدعيم الأوراق السورية، فيما تصبّ أحداث جورجيا والتغلغل الإسرائيلي في الجمهوريات السوفياتية السابقة والدرع الصاروخية الأميركية في تدعيم موقف روسيا، مشيرة إلى أن «ما يقال عن عودة روسيا إلى المياه الدافئة في المتوسط عبر قواعد عسكرية على الساحل السوري، لم يعد مجرد فرضيات».
كل شيء ممكن في السياسية عندما يدخل اللاعبون الكبار. فإذا كانت أميركا تعبث بالأمن القومي الروسي عبر الدعم الإسرائيلي لجورجيا، فإن سوريا لها مصلحة في الحصول على الدعم الروسي في التصدي لإسرائيل، أو على الأقل دعم أوراقها التفاوضية في عملية السلام.