حين انتُخب جوزف بايدن سيناتوراً عن ديلاور عام 1972، كان باراك أوباما في الحادية عشرة من عمره يعيش في هونولو. الآن بات الرجلان معاً في المعركة الرئاسية
واشنطن ـ الأخبار
تنسجم معتقدات السيناتور جوزف بايدن (66 عاماً) السياسية مع غالبية أدبيات المرشح الديموقراطي باراك أوباما، المرتكزة على مبدأ التفاوض أولاً، وإن صقلها عامل الخبرة والممارسة. وسياسته تجاه الشرق الأوسط شبيهة بسياسة الرئيس الأسبق جيمي كارتر: التفاوض أوّلاً وهو الأكثر إلحاحاً، وتقديم المساعدات غير العسكرية متى كانت ضروربة، واستبعاد الخيار العسكري، وإعادة التركيز على أفغانستان.
وإن كان بايدن، الذي يمضي ولايته السادسة في مجلس الشيوخ ويأتي في الترتيب الرابع بين أقدم الأعضاء تمثيلاً في المجلس، قد صوّت لغزو العراق عام 2003، إلّا أنّه لم يتورّع عن إبداء ندمه، فهو لم يؤيّد إطاحة صدام حسين أو احتلال العراق. وما لبث بعدها أن أطلق للسانه العنان في انتقاد سياسة الرئيس جورج بوش في العراق، وعارض إرسال قوّات إضافية إليه. ويرى بايدن، الذي يتولى حاليّاً رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، أنّ الحل لتحقيق الاستقرار والمصالحة هو تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات فدرالية مستقلة لامركزية (كردي في الشمال وشيعي في الجنوب وسنّي في الوسط) إلا في ما يتعلق بالسياسات الخارجية والدفاع.
في الملف الإيراني، ينسجم بايدن مع أوباما، بل ويبدي مرونة أكثر في التعاطي مع النظام الإسلامي إلى حدّ اتهامه بالاسترضاء والازدواجية. فهو يُقرّ بأنّ «التكنولوجيا النووية» في يد «استبدادية دينية»، ويصف الأمر بأنه «شديد الخطورة»، ويؤكّد أنّ «إيران نووية أمر غير مقبول بتاتاً»، لكنّه يؤيّد سياسة الحوار وتقديم الحوافز لطهران.
ويتهمه معارضوه بالكلام المزدوج عن طهران، وبأنّ لديه «سجلاً طويلاً من الاسترضاء وازدواجية الكلام عن الخطر النووي الإيراني»، ويحمّلونه جزءاً من مسؤولية تعاظم تهديد النظام الديني في إيران للولايات المتحدة، بفضل تشجيعه لسياسة الارتباط مع طهران.
ويقول جيريم كورسي، مؤلّف كتاب «إيران الذرية»، إنّ «رجال الدين الإيرانيين يرون في بايدن رجلهم الأول في مجلس الشيوخ كلما أرادوا خداع الشعب الأميركي».
محاكاة بايدن للنظام الإيراني ظهرت أيضاً من خلال لقاءاته مع الإيرانيين الأميركيين المتعاطفين مع النظام الحاكم، وأيضاً مع مسؤولين إيرانيين. وبعد لقائه وزير الخارجية الإيراني آنذاك كمال خرازي عام 2004، شدّد بايدن على أهمية الدور الإيراني في المنطقة، كما أكّد أنّ بلاده يجب أن تغيّر من توجهها الحالي كي تمهّد الطريق من أجل الحوار والعمل الدبلوماسي.
وظهرت مواقف بايدن المتعاطفة مع طهران في مناسبات عديدة، أحدها عام 2002، حين أقام حفلاً لجمع الأموال في ولاية كاليفورنيا لإحدى اللوبيات الإيرانية البارزة الداعمة للنظام، انتقد حينها بشدّة معادلة «محور الشرّ» لبوش.
وحين كثُر الحديث داخل الإدارة الأميركية عن ضربة عسكرية محتملة لإيران، حذّر بايدن من أنه سيعمل على إطاحة بوش إذا وجّه ضربة إلى إيران من دون الحصول على موافقة الكونغرس.
بايدن صديق مؤكّد لإسرائيل، وهو كان قد أعلن صراحة، خلال مقابلة في آذار عام 2007، دعمه للدولة العبرية عبر قوله «أنا صهيوني، وليس ضرورياً أن أكون يهودياً من أجل ذلك». ووصف إسرائيل بأنها «قوة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط»، لكن موقفه من التهديد الإيراني يمثّل مصدر قلق لتل أبيب. ويقول مدير التحالف التنفيذي للجمهوريين اليهود، ماثيو بروكس، إنّ «بايدن صوّت ضدّ القانون الذي يمنع طهران من تطوير قدراتها النووية، وفشل في تمييز الخطر الإيراني الجدّي على إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما».
ومع اختيار أوباما لبايدن، يمكن القول إنّ فوز الديموقراطيين سيُحدث تغييراً في السياسة الخارجية ترتكز على مبدأ التفاوض أوّلاً.
وسبق لبايدن، المحافظ الذي يتهمه الجمهوريون بأنه ليبرالي، أن شارك في السباق الرئاسي في 1987، وتوقفت حملته حينها بعد اتهامه بسرقة مقتطفات من خطابات الزعيم البريطاني نيل كينوك. كما خاض الانتخابات التمهيدية الماضية، إلا أنه انسحب من السباق بعد حلوله خامساً بين المرشحين الديموقراطيين.
واشتهر سيناتور ديلاور بزلّات لسانه التي لم تفارقه حتى في خضم حملته الانتخابية، ومنها تصريحه في كانون الثاني الماضي بأنّ «أوباما هو أول أميركي من أصل أفريقي يتّسم بالاعتدال واللباقة والذكاء والنظافة وحسن المظهر». ولم يشأ الأخير أن يعنّفه على هذا التعليق الذي يبدو في ظاهره عنصرياً.