ملامح التغيير في الدبلوماسية الفرنسية بدأت ترتسم في العاصمة باريس، مع الرقابة البرلمانية على السياسة الخارجية، ورسم ضوابط جديدة لها، تبدأ من خفض عدد السفارات وعديدها
باريس ــ بسّام الطيارة
تستعد الطبقة السياسية الفرنسية، للمرة الأولى، لممارسة رقابة فعليّة على السياسة الخارجية، وفقاً للتغيرات الدستورية الجديدة التي أرادها الرئيس نيكولا ساركوزي وجرى إقرارها. ومن المفارقات أن تطبيق «رقابة نيابية» على السياسة الخارجية سيطاول الحرب في أفغانستان ومشاركة فرنسا فيها، وقد يصيب بشكل مباشر أو غير مباشر قرار ساركوزي رفع هذه المساهمة العسكرية قبل أشهر معدودة من «النكسة العسكرية» التي ذهب ضحيتها عشرة جنود وجرح ما يزيد عن عشرين عسكرياً.
ومن المفترض أن يصوّت البرلمان على هذه السياسة في ٢٢ أيلول المقبل، وهو ما يحصل للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة (يقول البعض في تاريخ فرنسا منذ عهد الملكية مروراً بحقبة الثورة ونابليون وصولاً إلى ديغول). إذ إن «قرار الحرب» كان دائماً بيد الرئيس التنفيذي ملكاً أو إمبرطوراً أو رئيساً.
وحسبما وعد ساركوزي بموجب آفاق «سياسة القطيعة»، فهو عمد إلى التعديل الدستوري، الذي رأى فيه البعض أنه «يقوّي مراقبة البرلمان على تورط البلاد في حروب خارجية»، بينما أشار آخرون إلى أنه «ذرٌّ للرماد في العيون ولا يغير من قوة إمساك الرئيس بقرار إرسال قوات إلى مسارح خارجية». ولكن يتفق الجميع على أن هذا التعديل يحاول «إيجاد تشابه بين الممارسة الرئاسية الفرنسية والأميركية».
وضمن سياسة القطيعة أيضاً، فرض ساركوزي تعديلات على «الخريطة العسكرية الفرنسية»، وذلك بخفض عدد أفراد القوات المسلحة نحو ٥٤ ألفاً وإلغاء عشرات الثُّكن المتوزعة في أرجاء البلاد بحجة مواكبة العصر والتقدم التكنولوجي النوعي للأسلحة الحديثة.
وفي مضمار الدبلوماسية، كشف النقاب عن إصلاحات ستطاول الكي دورسيه جذرياً. وجرى عرض الخطوط العريضة لهذه الإصلاحات على المؤتمر السنوي للسفراء. وعلمت «الأخبار» من مصادر موثوق بها أنها تتضمّن «دوزنة الشبكة الدبلوماسية»، وهو «تعبير دبلوماسي جداً» للقول إنه سيصار إلى خفض عدد السفارات. وبحسب هذه المصادر، ستصنّف السفارات ثلاثة أنواع: السفارات الكبرى التي سميَت «متعددة المهمات» ولا يتجاوز عددها الثلاثين تكون مهمتها «مناطقية»، ونحو مئة سفارة تكون لها مهمات أولية غير سياسية بالمعنى العام للسياسة والدبلوماسية ولكن ذات أبعاد «إنسانية واقتصادية»، أما النوع الثالث، فهو يشمل السفارات «ذات المهمة المحدودة» ولا يتجاوز عدد أفرادها العشرة. أما الجديد في هذه الإصلاحات، فهو إمكان أن «تشارك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي» في سفارت مشتركة أوروبية.
ومن الدول التي ستبدأ فيها هذه التجربة، حسبما علمت «الأخبار»، موزامبيق وبنغلادش. ولمداراة التململ الذي يمكن أن يظهر لدى بعض العاملين في السلك الدبلوماسي، الذين يخافون تراجع شبكة الدبلوماسية الفرنسية التي تصنف ثانية وراء الولايات المتحدة، فقد أكدت أوساط وزير الخارجية برنار كوشنير أن «هذه الإصلاحات تهدف لتقوية الكي دورسيه» لمواكبة تطور العصر والتنسيق مع باقي الوزارت التي زاد انفتاحها على الحقل الدولي.
هل توضع هذه الإصلاحات في خانة طموحات الوزير كوشنير أم في خانة الوعد الساركوزي بالقطيعة؟ الجواب «لا هذا ولا ذاك»، بحسب مقربين من هذه الإصلاحات يشيرون إلى أنه يجب وضعها في خانة «ضغط الخزينة وضرورة التقشّف».