طيف محادثات السلام على أكثر من مسار كان حاضراً في قمة الاتحاد من أجل المتوسّط أمس. والأنظار كانت مركّزة على الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، ولا سيما بعد الأنباء التي راجت عن احتمال لقاء بين الرجلين في أعقاب المفاوضات غير المباشرة في تركيا، إلا أن المناقشات في باريس لم تخرج عن هذه الصفة، وإن على مستوى أرفع.وفي مقابلة مع قناة «الجزيرة» على هامش مشاركته في قمة المتوسط، أعلن الرئيس السوري أنه مستعد لإنشاء علاقات «عادية» مع إسرائيل، يتخلّلها تبادل السفراء والاتفاقيات الثنائية إذا جرى التوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين.
وقال الأسد، في مقتطفات من المقابلة بثتها القناة القطرية، «نحن تحدثنا منذ بدء عملية السلام عن علاقات عادية» مع الدولة العبرية في إطار اتفاق السلام. وأضاف «نسميها طبيعية، تطبيعية، لا يهم. اسمها علاقات طبيعية... كأي علاقة بين دولتين...هناك سفارات، هناك علاقات، هناك اتفاقيات». وأضاف «قد تسوء الأمور، قد تتحسن. قد تكون علاقة حارة، قد تكون علاقة باردة. هذا جزء من السيادة لكل دولة. نحن نسميها علاقة عادية».
في هذا الوقت، بدا أن مفاوضات غير مباشرة رفيعة المستوى دارت في باريس، إذ ذكرت مصادر إسرائيلية أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تولى إدارة مناقشات غير مباشرة بين أولمرت والأسد.
وذكرت المصادر أن أولمرت التقى أردوغان في فندق باريسي كبير «ليشكره» على دور الوساطة الذي يقوم به في محادثات السلام مع سوريا. وأضاف إن أولمرت «أكد الجدية التي تتعامل بها إسرائيل مع هذا الملف».
أما أردوغان فقال من جهته، للصحافيين بعد لقائه الأسد، إن لديه «أملاً كبيراً» في مفاوضات السلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل. وأضاف «إصرارنا قوي وسنواصل الجهود للتوصل إلى نتيجة حتى إذا كانت هذه القضية تتطلب الحذر».
وقالت وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان إن هذه المباحثات «عبر الوسيط التركي تمثّل تحضيراً لمفاوضات مباشرة». وأضافت إن «أردوغان قال أيضاً للرئيس الأسد إنه سعيد بمشاركته في هذا المؤتمر الذي يمكن أن يحقّق السلام في الشرق الأوسط».
وكان أولمرت قد أعرب أمس عن رغبته في الانخراط في مباحثات مباشرة مع السوريين، من دون أن يكون ذلك على حساب المسار الفلسطيني «ذي الأهمية القصوى بالنسبة إلينا».
وفي السياق، حث الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الأسد على إثبات رغبته في تحقيق السلام مع إسرائيل، وطالبه بـ «السير على خطى الرئيس المصري الراحل أنور السادات عندما زار الكنيست (عام 1977)، محطّماً بذلك حاجزاً نفسياً لدى الشعب الإسرائيلي».
وأضاف بيريز، في مقابلة أجرتها معه إذاعة «الشمس» الإسرائيلية، إن «الرئيس الأسد يفضّل بدلاً من ذلك انتظار الإدارة الأميركية الجديدة». ورداً على سؤال «هل يسافر هو نفسه إلى دمشق»، أكد بيريز أنه «مستعد للوصول في غضون خمس دقائق إلى المطار، إذا ما تأكد أن سوريا لن تحاول اعتراض طائرته».
وفي إطار التحضيرات المصاحبة للمفاوضات السوريّة ـــــ الإسرائيلية، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر دبلوماسية أوروبية قولها إن «التدخل الأوروبي في الترتيبات الأمنية بين سوريا وإسرائيل يتصاعد»، مشددة على أن «سوريا لن توافق على أن تكون إدارة (الرئيس الأميركي جورج) بوش مشاركة في ترتيبات أمنية كهذه».
وبحسب المصادر الدبلوماسية الأوروبية، فإن «فرنسا وإسبانيا تداولتا في هذه القضية مع مسؤولين سوريين رفيعي المستوى»، مذكرةً بكلام الأسد الذي ردّده مرات عديدة في الأيام القليلة الماضية، عن أن «على دول أوروبا، وفي مقدمتها فرنسا، أن تدعم مسار السلام مع إسرائيل والتدخل فيها».
وفي مؤشّر إلى كسر العزلة عن سوريا، أعلن المنسق الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، أن الاتحاد قد يوقع هذا العام اتفاق شراكة معها. وهو الاتفاق الذي جرى تعليقه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
وقال سولانا «سيتوقف إلى حد كبير على سلوك الجميع. لنقل حتى نهاية العام»، مشيداً باتفاق تبادل السفراء بين لبنان وسوريا باعتباره إنجازاً.
وفي مسار سلمي آخر في باريس أيضاً، وعد أولمرت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالإفراج عن مجموعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين. وقال مصدر مقرب من رئاسة الوزراء الإسرائيلية «لقد أشار أولمرت إلى أنه ينوي القيام بمبادرة تجاه السلطة الفلسطينية لا تجاه حركة حماس، من دون أن يكون هذا الأمر متعلقاً بتبادل أسرى».
وكان أولمرت وعباس والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد عقدوا قمّة ثلاثيّة تلاها مؤتمر صحافي مشترك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي خلاله «إن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أقرب الآن للتوصل إلى اتفاق سلام من أي وقت مضى». ورحب عباس بالتوسط الفرنسي وأعرب عن أمله في «الوصول إلى السلام خلال بضعة أشهر».
(أ ف ب، رويترز، أ ب، يو بي آي)