سجّلت المحكمة الجنائية الدوليّة، أمس، سابقة هي الأولى من نوعها، تهدّد بإغراق السودان بمزيد من الفوضى الدامية. عمر حسن البشير بات أول رئيس عربي في سدّة الحكم متّهم بارتكاب «جرائم حرب». هذه خلاصة ما انتهى إليه مدّعي عام المحكمة، لويس مورينو أوكامبو.تهمة تفتح الأبواب أمام العديد من التساؤلات حول اليوم التالي، ولا سيما أن ردود الفعل التي توالت توحي بأن المرحلة المقبلة ستكون صاخبة، استعداداً لصدام «عواقبه خطيرة» أو تمهيداً لتسوية ما قد تكون بطلتها الولايات المتحدة. على الأقل، هذا ما أوحى به التعليق الأميركي الأولي على توجيه الاتهام، إذ حرص المتحدّث باسم البيت الأبيض، غوردن جوندرو، على عدم إظهار تأييده لقرار المحكمة، ولا سيما أن واشنطن معارضة لها. اختار موقفاً موارباً: «سنتابع الوضع في لاهاي وندرس ما طلبه المدعي. ندعو الأطراف كافة إلى التزام الهدوء».
سيناريو اليوم التالي يدرسه الخبراء، الذين يرجّحون أن يكون خليطاً بين التسوية القانونية والصفقة السياسية؛ فالمادة 16 من قانون المحكمة الجنائية الدولية تنصّ على حق مجلس الأمن طلب تأجيل التحقيق مع الرئيس السوداني بضمان أن هناك مفوضات لحلّ الأزمة موضوع النزاع. وهذا يتطلّب أن تقدّم المجموعة العربية في المحكمة (الأردن ولبنان وجزر القمر وجيبوتي) طلباً بذلك وأن تؤيّده واشنطن.
المجموعة العربية تبدو ذاهبة في هذا الاتجاه، ولا سيما أن الأمانة العامة للجامعة سارعت إلى الدعوة إلى اجتماع عاجل لوزراء الخارجيّة سيعقد السبت، على أن يسبقه اليوم اجتماع على مستوى المندوبين في مقرّ الأمانة العامة في القاهرة.
ويرى الخبراء أن الولايات المتحدة لن تكون بعيدة عن الطلب العربي، وستنضم إليها الصين وروسيا المعارضتان لتوجيه الاتهام. ويشيرون إلى أن واشنطن قد تكون «المنتصر الأكبر في أزمة البشير»، على اعتبار أنها ستكون ورقة الضغط المثلى على الخرطوم في العديد من الملفات السياسيّة والاقتصادية.
الأمين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون، سارع إلى التحذير من «العواقب الخطيرة» لقرار المحكمة الدولية من دون رفضه، ملمحاً إلى خطر على القوات الدولية العاملة في دارفور.
قوات استشعرت الخطر، وبدأت فعلياً إجراءات حماية، حتى إنها عمدت إلى إجلاء موظفيها غير الأساسيين العاملين في الإقليم، مخافة تعرّضهم لهجمات انتقامية تحمل عنوان «الغضب الشعبي»، ولا سيما أن الخرطوم هدّدت بشكل غير مباشر باستهدافها، رغم إعلان نيتها حمايتها.
تهديد الخرطوم جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، علي الصدّيق، الذي رأى أن قرار أوكامبو سيؤدّي «إلى شعور المتمردين بالانتصار وبالتالي ربما يمضون قدماً في شنّ هجمات على أهالي دارفور وعلى قوات اليوناميد». أمّا السفير السوداني لدى لبنان، محمد جمال إبراهيم، فقد حذّر من «أن زمام الأمور سيصبح في أيدي جماعات لا تستطيع الدولة ضبطها».