استراتيجيّتا «الردع» و«المنع» تثيران خلافاً أميركياً ـ إسرائيليأ يوتّر العلاقات بينهما شهيرة سلوم

تمثّل الجمهورية الإسلامية الإيرانية «التهديد» الأقوى في تاريخ الدولة العبرية، التي لن توفر فرصة للقضاء على هذا الخطر، من ضمنها ضربات عسكرية ضدّ المنشآت النووية، وإن بقيت وحيدة؛ فهي ترى أنّ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ينكر «الهولوكوست» ويتوعّد بإزالتها عن الخريطة السياسية، ويُعلن أنّ «العدّ العكسي لنهايتها قد بدأ». كما يدعم بالمال والسلاح جماعات، تحاصرها من الشمال والجنوب، تعمل من أجل تحقيق هذا الهدف.
فضلاً عن ذلك، فإنّ قضية النووي الإيراني مرتبطة بقضايا محورية تتعلّق بحاضر إسرائيل ومستقبلها، وخصوصاً عملية السلام على المسار الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي والسوري ـــــ الإسرائيلي، وعلى صلة وثيقة أيضاً باحتمال وقوع نزاع مسلّح: جولات حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله، أو بين إسرائيل و»حماس»، أو فتح الجبهتين معاً اللبنانية والفلسطينية.
في تقرير مقتضب أعدّه «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» على شاكلة توصيات إلى إدارة الرئيس المقبل، هدفه تعزيز الشراكة مع الحليفة إسرائيل. ذكر بأنّه إذا نجحت طهران واستسلم المجتمع الدولي لحتمية حصولها على القدرات النووية العسكرية، فإن تأثيرها السلبي على محيطها الإقليمي سيزيد أكثر، وسيشجع أولئك المصمّمين على جرّ المنطقة إلى النزاعات، وستتآكل قدرة الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب الملتزمين بالتوصل إلى اتفاق سلام وإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية جنباً إلى جنب.
ويشير معدو التقرير إلى أنّ إيران مصمّمة على مواصلة عملية تخصيب اليورانيوم وتطوير أنظمة الصواريخ الباليستية، وهي عناصر أساسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في برنامج نووي عسكري، رغم العقوبات الدولية ورزمة الحوافز الدبلوماسية والاقتصادية التي قدّمتها مجموعة «5+1». وبحسب تقرير الاستخبارات الصادر في أواخر عام 2007، فإن إيران تمتلك القدرة على إنتاج حاجتها من اليورانيوم العالي التخصيب من أجل بناء سلاح نووي في غضون سنيتن.
ويشير التقرير إلى نقطة مهمة جداً، وهي أنّ إيران نووية ليست مشكلة أميركية ــــــ إسرائيلية فقط، بل أيضاً هاجس خطير لحلفاء أميركا وإسرائيل الشرق أوسطيين ودول جنوب آسيا، فهي «ترغمهم على النظر في التدابير الاستفزازية في سياستهم الدفاعية». أما بالنسبة «إلى الحلفاء الأوروبيين»، فالمشكلة النووية تمثّل خطراً على الانتشار النووي العالمي. لذلك سعى الأوروبيون، بحسب التقرير، إلى زيادة الضغوط الدبلوماسية على طهران لحثها على التراجع.
أما حلف شمال الأطلسي، فقد قبل بدعم أنظمة الصواريخ الدفاعية الموجّهة ضدّ طموح إيران النووي العسكري، كما تدّعي واشنطن.
إدراك الولايات المتحدة أنّ القضية الإيرانية ليست مشكلة مع إسرائيل فقط، يدفعها إلى المراهنة على العمل الدولي الجماعي الدبلوماسي الذي قد يكون مفتاح الحلّ لردع إيران، ولا سيما إذا ما أخذت بالاعتبار التقرير الاستخباري الأميركي الذي أفاد أنّ طهران أوقفت العمل بالبرنامج العسكري عام 2003، فهذا «يعني أنّ الضغوط الدولية والعمل الجماعي قد أتت ثمارها».
وبالفعل، لم يغيّر تقرير الاستخبارات التوجه الدولي في التعامل مع الملف النووي الإيراني فقط، بل عدّل توجهات عند العديدين داخل الولايات المتحدة، وأصبحوا يحبّذون اعتماد الاستراتيجية «الردعية»، تلك التي اعتمدتها واشنطن مع الاتحاد السوفياتي السابق إبان الحرب الباردة.
وما يرجّح كفة الاستراتيجية الردعية عند واشنطن، هو تورّطها في حربين، العراق وأفغانستان، ما يدفعها إلى دفع الحل العسكري إلى «الخيار الأخير»، ولا سيما أنّ الحربين أطلقتا حواراً أميركياً داخلياً بشأن ضرورة الاعتماد على الردع و«التعايش مع إيران النووية».
من جهتها، تعدّ تل أبيب هذا التوجّه تخلّياً عن استراتيجية «المنع» التي تحبّذها، وتحدّياً أساسياً بالنسبة إليها. فهي لا تعتقد أنّ «الردع» مفيد كبديل، وترى أنّها تُركت وحدها في المعركة.
رؤية دفعت الاستراتيجيين الإسرائيليين، بحسب التقرير الأميركي، إلى الأخذ بالاعتبار القيام بعمل عسكري أُحادي الجانب ضدّ إيران، ولا سيما أنّهم غير مقتنعين بتاتاً باحتمال تعليق إيران برنامجها العسكري النووي، ويرون أنّ اللحظات الحالية حاسمة ومفصلية، «فليس هناك من وقت لتقطيعه، لأنّه سيصب في مصلحة الطموح النووي الإيراني».
لذلك تضع إسرائيل جميع السيناريوهات ولأسوأ الحالات وأسوأ توقيت، ومن ضمنها عمل عسكري استباقي، يؤدي إلى منع أو تأخير البرنامج النووي الإيراني. واشنطن تعلم الخطط الإسرائيلية ويبقى عليها أن تضع خططاً للخروج بأكبر نفع أو أقل ضرر ممكنين عند وقوع الواقعة.
التباين في وجهة التعاطي مع «التهديد» الإيراني، مرتبط بتحدّيين آخرين يؤثران على المعادلة الإسرائيلية ـــــ الأميركية، وهما بحسب التقرير: الحرب العراقية التي أنهكت الأميركيين وحالت دون انسجامهم مع التوجّه الإسرائيلي، وأدت إلى تنامي توجّه عند الأميركيين يريد الابتعاد عن النزاع في منطقة الشرق الأوسط (مقولة فكّ الارتباط «الهدّام» أو «البنّاء» ومشاركة الأوروبيين على جبن الشرق الأوسط).
الثاني، هو التوتّر غير المسبوق الذي تعرّضت له العلاقات الإسرائيلية ـــــ الأميركية، بحيث انتقد البعض داخل الإدارة إسرائيل لأنها «تلاعبت بالحكومة الأميركية كي تتصرّف عكس مصالحها القومية». هذا الرأي يفرض أن تبقى أميركا على مسافة من إسرائيل، وهو ما رفضه التقرير على اعتبار أنّه يعزّز من نفوذ القوى الإسلامية المتطرّفة التي ترى أن أميركا «الشيطان الأكبر»، كما أنه «حين تبتعد أميركا عن إسرائيل، سيخشى العرب أن تبتعد عنهم أيضاً، فتثبط عزائمهم».