باريس ــ بسّام الطيارةبعد ستة أيّام على تسرّب المواد النووية في مياه نهر قريب من موقع تريكاستان النووي الفرنسي، تتزايد التساؤلات عن «أسباب» تلوث المياه الجوفية، وذلك رغم تأكيد الشرطة أن «نسب اليورانيوم المتسرب لا تتجاوز الميكروغرامات في مياه النهر الذي يعبر المنطقة»، وأن المخاطر على السكان «ضئيلة».
وكانت شركة «أريفا» قد أعلنت أن ٣٠ متراً مكعباً من سائل يحتوي على يورانيوم غير مخصَّب قد تدفقت من معمل شركة «سوكاتري»، قبل أن يكشف متحدث باسمها عن أنّه «حُجب جزء منها من خلال نظام أمني خاص، ما يعني أن ١٨ متراً مكعباً فقط سقطت بالفعل على الأرض وفي المياه».
وكلفت السلطات الفرنسية «هيئة السلامة النووية» القيام بفحص لمعرفة «الأسباب التقنية» التي أدت لوقوع هذا الحادث الذي يأتي في «وقت غير مناسب» بالنسبة إلى عملاق الصناعية النووية «أريفا». توقيت غير مناسب لأن الرئيس نيكولا ساركوزي جعل من «تسويق النووي المدني حصان معاركه الخارجية»، على حدّ تعبير مسؤول دبلوماسي.
وفي هذا الإطار، تأتي محاولات «التقليل من أهمية الحادثة» في سياق عدم إضعاف السياسة الخارجية الفرنسيّة. ورغم ذلك، فإن وزير البيئة جان لوي بورلوو تحدث عن «إمكان تدخل القضاء». إلا أن أرقام التحاليل التي بدأت تخرج تباعاً من تقارير «هيئة السلامة النووية» أخذت تثير فضول أكثر من مراقب؛ فقد لوحظ وجود «نسبة مرتفعة جداً من اليورانيوم في مناطق عديدة محيطة بمكان الحادث».
لكن الغريب في الأمر، بحسب تسريبات مصادر علمية شاركت في التحاليل، هو أن هذه النسب تتغير باستمرار، ارتفاعاً وانخفاضاً خلال اليوم الواحد (٦٤ ثم ٢٢ ميكروغراماً قبل أن تعود وترتفع إلى ٣٦ ميكروغراماً في الليتر الواحد) وذلك في أماكن تبعد كيلومترات عن مكان التسرُّب النووي.
ويقول أحد الخبراء إن حادث شركة «سوكاتري» لا يمكن أن يكون وراء هذه النسب العالية من التلوث. ويرى بالتالي بعض الخبراء، وفي مقدمتهم المدير المساعد لـ«هيئة السلامة» جان كريستوف غاريل، تفسيرين لهذه الظاهرة بحسب ما صرّح به لصحيفة «لوموند»: فإما أن يكون ذلك بسبب وجود يورانيوم طبيعي في المنطقة، أو بسبب «حادث سابق».
ويرى الخبراء المستقلون أنّ «نظرية اليورانيوم الطبيعي» غير جدية بتاتاً، بسبب وجود اليورانيوم بمعدّل ما يكون عليه منسوب هذا العنصر عادةً عند نهاية سلسلة التخصيب النووي (بولونيوم ٢١٠) وليس بدايتها.
وفي السياق، تتساءل بعض الجمعيات غير الحكومية عما إذا كان هذا التلوث «الذي شاءت الصدف الكشف عنه» هو من مخلفات «قاعدة عسكرية كانت في المنطقة في عام ١٩٦٤ عند سعي فرنسا للحصول على النووي العسكري».
وبدأت المعلومات تتسرّب عن «تلة كُدّس فيها ما يعادل ٧٦٠ طنّاً» من مخلّفات عمليات انشطار اليورانيوم. ويقدّر بعض العاملين في الوكالة الوطنية الطاقة النووية بعدة أطنان، كميّة المواد النووية الموجودة «في هذه النفايات». ويشير هؤلاء إلى أنّ «مياه الأمطار قد تكون وراء تسرُّب هذه المواد الانشطارية إلى المياه الجوفية».
وتعيد هذه «التفسيرات والتبريرات العلمية»، توجيه أصابع الاتهام إلى شركة «أريفا» لكونها مسؤولة عن إدارة النفايات النووية وضبطها.
ويلفت المراقبون إلى أنّ تسليط الأضواء في هذا الملف على دور «أريفا»، قد يسبّب حرجاً لرئيسة مجلس إدارتها آن لوفرجون، في الوقت الذي تخوض فيه «معركة كسر عظم» مع ساركوزي الذي يريد خصخصتها، وبيع قسم كبير منها لصديقه مارتان بويغ الذي سبق له أن دخل شريكاً في رأسمال شركة «ألستوم» ويود دمج الشركتين.
وتقف لوفرجون، التي سبق أن رفضت «مقعداً وزارياً قدمه ساركوزي إليها»، عقبة أمام تنفيذ دمج الشركات وإن هي لا تعارض من حيث المبدأ خصخصة «أريفا».
ويرى أحد السياسيين المطّلعين على الملف إنّ «دخول أريفا في مجابهة إعلامية بشأن السلامة الأمنية مع المواطنين» سيضعف موقفها من جهة، ولكنه لن يقوي موقف المطالبين بدمجها مع «ألستوم»، بل سيدعم مواقف الذين يريدون إبقاء النووي الفرنسي في يد الدولة فقط.