أجرى الحوار: نزار عبود
• البشير لم يوعز بالقتل الجماعي
• الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي سيتولّيان الاعتقال
يعرب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، في حديث لـ«الأخبار»، عن قناعته بأنه يؤدي رسالة للعدالة، ويقرّ في الوقت نفسه بأن ازدواجية المعايير الدولية تثير الضجر في العالمين العربي والأفريقي
قبل أيام من الذكرى العاشرة لتوقيع معاهدة روما التي أسست لإنشاء محكمة الجنايات الدولية، فجّر المدعي العام للمحكمة، لويس مورينو أوكامبو، قضية توجيه الاتهام للرئيس السوداني عمر حسن البشير بارتكاب جرائم جسيمة في دارفور. حدث جعل دول العالم تستيقظ على واقع أن المولود القضائي الفتي في لاهاي يهدّد أنظمة بأسرها رغم نعومة أظافره.
في لائحة الاتهام، أورد لوي مورينو أوكامبو أن النزاع الذي حصل في دارفور بدأ على شكل تمرد على السلطة المركزية في 2003، وهو يقرّ أن «من حق الحكومة أن تستخدم القوة للدفاع عن نفسها ضد المتمردين». لكن التحقيقات التي أجراها أوصلته إلى أن الرئيس السوداني «استهدف بشكل محدد مدنيين غير مشاركين في أي نزاع بنيّة تدميرهم كجماعة». وأوضح أن بعضهم «قتل بشكل مباشر، وكانت غالبيتهم من ثلاث جماعات مستهدفة».
ويضيف أوكامبو، في لقاء مع «الأخبار» على هامش الاحتفالات في مقر الأمم المتحدة، أن «البشير لم يقتل بيده، ولم يوعز بالقتل الجماعي، بالرغم من أن هناك عملية قتل جماعي وقعت في هجوم ذهب ضحيته 35 ألفاً من سكان دارفور. لكنه أوعز بحرمان اللاجئين المساعدات الإنسانية والأمان في المخيمات التي نزحوا إليها. ودمرت قراهم أو جرت مصادرتها. وأرغموا على ترك أماكن سكناهم»، معتبراً ذلك «إبادة جماعية وجريمة بحق الإنسانية وجرائم حرب» بموجب تفويض مجلس الأمن الدولي، ومشيراً إلى أنه قدم براهين إلى القضاة لكي ينظروا في طلب اعتقال الرئيس السوداني.
بنظر أوكامبو، لم تتم قضية السودان بين ليلة وضحاها. والاتهام الذي وجهه «لا يزال يخضع لنظر القضاة الذين يعود إليهم قرار إصدار مذكرة توقيف أم لا». ويوضح أنه «في حال توجيه المذكرة، ستتولى المنظمات الإقليمية، مثل الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، عملية إلقاء القبض على رئيس السودان وتسليمه للعدالة». ونفى أن يكون الرئيس يتمتع بحصانة دولية بصفته تلك بعد أن يصدر حكم القضاة.
في المقابل يرى خبراء أن هذه القضية تقوم على منطلقات سياسية بالنظر إلى أن تفويض المحكمة جاء من مجموعة من الدول في مجلس الأمن، معظمها غير مشارك في تأسيس المحكمة ورفضت التوقيع على معاهدتها. وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة.
ورغم أن المعارضة للقرار قوية من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فإن إيقاف الإجراءات لا بد أن يتم في مجلس الأمن الدولي، السلطة الوحيدة التي لديها سطوة على المحكمة. وهنا لا تستطيع الدول الأفريقية والعربية والآسيوية الصديقة أن تتصدى للموقف الأميركي ـ البريطاني ـ الفرنسي. وهؤلاء ينتظرون أن يسلم الرئيس السوديان وزير الشؤون الإنسانية، أحمد هارون، ورئيس «الجنجويد»، على كشيب، للمحكمة كشرط لمراجعة الأمر.
ويقر أوكامبو بأن القضاء السوداني نزيه. لكنه يرى أن «الدول التي تمر بحروب أهلية لا تستطيع الاحتفاظ بقضاء نزيه تماماً. ومحكمة لاهاي تقوم عل مبدأ المكمل للقضاء المحلي. أي أن دورها تكميلي واحتياطي في مواجهة اختصاص وعمل القضاء المحلي للدول مراعاةً لمبدأ السيادة الوطنية واحترامها من ناحية، وتوفير ضمانات العدالة أمام المحاكم الدولية من ناحية أخرى».
ويشير المدعي العام إلى أن «المبدأ الأول مر بمراحل من التطور أفضت إلى تكريس مصلحة السيادة الاختصاصية للمحاكم الدولية على حساب المحاكم المحلية؛ فالدول التي ترتكب في أراضيها جرائم إبّان الاحتلال أو نشوب النزاعات الداخلية معرّضة لانهيار القضاء فيها. كما يؤدي زمن النزاع إلى غلبة النزعات العنصرية والعرقية والاعتبارات الفئوية على القانون العام. وهذا الوضع تجلى في كل الحروب السابقة مثل يوغوسلافيا ورواندا وليبيريا ونيجيريا».
ووفقاً لتعبير النظام الأساسي، يقتصر اختصاص المحكمة الدولية على أشد الجرائم خطورة التي هي موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره. وإذا كانت جرائم رواندا ويوغوسلافيا قد هزّت الضمير العالمي كثيراً في التسعينيات من القرن الماضي، فإن النزاع في دارفور لم تصفه يوماً الدول بالإبادة الجماعية أو التطهير العرقي. وهنا يكون أوكامبو أول من أطلق هذا الوصف عليه. وبفعله هذا، يكون قد عطل عمل الأمم المتحدة السلمي وجهود إنشاء قوة كبرى لحفظ السلام في الإقليم. وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، حين وصف المحكمة بأنها «كيان ناشئ طري العود».
مع ذلك، فللمحكمة اختصاص في النظر بجريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة الاستعمار. وتعني جريمة الإبادة الجماعية في قاموس المحكمة «قتل أفراد الجماعة. وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بهم. وإخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية بقصد إفنائهم الفعلي كلياً أو جزئياً. وفرض تدابير تستهدف منع نسلهم. ونقل النسل عنوة إلى جماعة أخرى لاستعباده».
وتشمل جرائم الحرب «القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة غير الإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية، وإلحاق دمار واسع بالممتلكات. والاستيلاء عليها من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وتعمد مهاجمة المدنيين بصفتهم المدنية».
مراجعة هذه التفاصيل الجنائية الضخمة تجعل كل مواطن في دول العالم الثالث يشعر بمدى التفريط بحقوقه وكرامته. كما يشعر بمدى استهتار المجتمع الدولي حتى بالقوانين التي يضعها. عن ذلك يقول أوكامبو، المؤمن بقوة بأنه يؤدي رسالة، «من يزُرْ العالمين العربي والأفريقي يشعرْ بمدى الضجر من ازدواجية المعايير. ونحن هنا في هذه المحكمة نريد أن نطبّق معايير واحدة على الجميع». لكنه سرعان ما يسلم بأن قوانين المحكمة تفرض عليه تطبيق ما تخوله نصوص المحكمة والأمم المتحدة، وأن صلاحياته تبقى مقيدة بمجلس الأمن الدولي.
وبشأن تطابق هذه الاعتبارات مع الوضع في فلسطين وفي حرب تموز في لبنان، حيث دمرت قرى وشرد أهلها وحرموا الإمدادات الغذائية وقتل أكثر من ألف ومئتَي مدني، يشير أوكامبو إلى أن الوضع «يستحق التحقيق»، وأن «أوجه الشبه واضحة وقوية لتقديم قضايا للمحكمة». لكنه تساءل «لماذا لم يقدم لبنان دعوى إلى محكمة الجنايات الدولية؟ هذه قضية يجب أن تأتي من حكومة، ولا يسمح نظام المحكمة بالدعاوى الشخصية». كما تساءل «لماذا لم ينضم لبنان إلى الدول الأعضاء في المحكمة، الذين وصل عددهم إلى 107؟».



انتخب الأرجنتيني لويس مورينو اوكامبو (55 عاماً) لمنصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عام 2003. كان نائب المدعي العام الأرجنتيني في محاكمة أعضاء الحكومة العسكرية الأرجنتينية. وكثيراً ما عرف بقدرته على تحدي الأغنياء وأصحاب النفوذ، كما عرف بحملاته الشرسة على الفساد