يؤجّجها صراع على السلطة في بانكوك... ومحادثات ثنائيّة تسعى للحؤول دونها مي الصايغ
4.5 كيلومترات مربعة كانت كفيلة بإشعال نزاع حدودي بين تايلاند وكمبوديا، كاد يتحول إلى مواجهة مسلحة منتصف الشهر الجاري، وأن يكون مادة دسمة على جدولي أعمال رابطة «آسيان» ومجلس الأمن الدولي، لولا إصرار مملكة «الأرض الحرة» على معالجة الأزمة الراهنة عبر محادثات ثنائية، فكان لبانكوك ما أرادت، مع انطلاق الجولة الأولى من المباحثات بين الطرفين، أمس، في كمبوديا.
نزاع اندلع على خلفية موافقة حكومة تايلاند على طلب رفعته كمبوديا إلى منظمة «الأونيسكو» من أجل إدراج معبد «برياه فيهيار»، الذي يقع في منطقة أدغال تمثّل حدوداً طبيعية بين البلدين، ضمن قائمة مواقع التراث العالمي.
موافقة كلفت حكومة تايلاند هجمة شرسة من المعارضين لرئيس الوزراء التايلاندي ساماك سندارافيجي، الذين أثاروا ضجة سياسية في بانكوك، حيث اتهم تحالف «الشعب من أجل الديموقراطية» الحكومة ببيع تاريخ تايلاند من خلال دعمها الأولي للقائمة، بحجة أن الوضع الجديد للمعبد من شأنه أن يقلّل من ادعاءات تايلاند بشأن الأرض المجاورة له.
كما لفت محللون إلى أن السياسات الداخلية في تايلاند، التي يعرف فيها المعبد باسم «خاو برا فيهارن»، أدت دوراً أساسياً في إذكاء النزاع الحدودي، ما أجبر مملكة الأرض الحرة على إرسال قواتها العسكرية إلى منطقة الحدود المتنازع عليها مع منتصف الشهر الجاري، بعدما اعتقل جنود كمبوديون ثلاثة محتجين تايلانديين أثناء محاولتهم رفع علم بلادهم على المعبد.
ويقف حالياً 500 من الجنود التايلانديين و 1000 جندي كمبودي في مواجهة بعضهم لبعض عند المعبد ويدعمهم من الخلف آلاف من الجنود والمدفعية الثقيلة للجانبين.
وفي حين أن المعبد الهندوسي بني منذ 900 عام، إلا أنه ظل مصدر توتر منذ أن قضت محكمة العدل الدولية عام 1962 بأنه يعود لكمبوديا، فيما بقي جزء من الأرض المجاورة للمعبد، التي تشغل منطقة مساحتها 4.6 كيلومترات مربعة، متنازعاً عليه، وسط زعم كل من كمبوديا وتايلاند بسيادتها عليه.
حتى إن مندوب تايلاند لدى الأمم المتحدة، دون براموواني، ذهب إلى الحديث عن محاولة كمبوديا إجبار بلاده على قبول خريطة فرنسية لترسيم الحدود، متهماً إياها بجلب النزاع أمام مجلس الأمن الدولي، بحجة أن هدف كمبوديا ليس فقط المعبد بل كامل الحدود المشتركة.
والجدير بالملاحظة أن الخريطة الفرنسية تتوافق مع وجهة نظر كمبوديا، فيما ترفضها تايلاند بحجة أن قوة استعمارية رسمتها تبعاً لمصالحها الخاصة، مرتكزةً على خريطة أخرى حُدِّدت في وقت سابق بمساعدة تقنيين أميركيين، رغم موافقتها على حكم محكمة العدل الدولية بأن المعبد يعود إلى كمبوديا.
نزاع لم تقتصر تداعياته على الحدود بين البلدين، إذ أدى إلى إحداث خلل في المشهد السياسي في تايلاند، حيث حققت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد مع ساماك وحكومته بتهمة خرق الدستور عبر عدم استشارة البرلمان، قبل الموافقة على طلب كمبوديا. تحقيق من شأنه أن يؤدي إلى محاكمة كل أعضاء الحكومة، رغم أن العملية ستستغرق وقتاً طويلاً، وفق ما جاء على لسان المتحدث باسم اللجنة، كلانارونغ جانتك.
أما في كمبوديا، فوصلت الأزمة إلى حد التحريض على تايلاند، مع توزيع منشورات تدعو إلى مقاطعة البضائع والخدمات التايلاندية.
وفيما رأى محللون من تايلاند أن الحل سيكون غداة الانتخابات التشريعية التي جرت في كمبوديا في السابع والعشرين من الشهر الجاري، نفى وزير الإعلام الكمبودي أن يكون لموعد الانتخابات علاقة بذلك، إذ وجد أن النزاع هو نتيجة لمشكلة داخلية تايلاندية، حيث تسعى جماعة إلى إسقاط أخرى، في إشارة إلى أطراف معادية للحكومة عملت على اللعب على المشاعر القومية لكسب الدعم لهدفهم الأكبر المتمثل بإسقاط حكومة ساماك.
وبعد مد وجزر، توصلت حكومتا بانكوك وبنوم بنه إلى الاتفاق على عقد اجتماع على مستوى وزراء خارجية في مدينة سيم ريب الكمبودية، وهو الاجتماع الذي بدأ أمس بوساطة من منظمة «آسيان»، للبحث في سبل حل الأزمة. الاتفاق جاء بعد سلسلة تسويات، سحبت خلالها كمبوديا طلباً تقدمت به إلى مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع طارئ، إثر فشلهما في معالجة المسألة الأسبوع الماضي، في خطوة أثارت مخاوف من سير الأزمة نحو الانفجار.
وفيما كانت كمبوديا تدفع باتجاه أن تتولى رابطة «آسيان» والأمم المتحدة القضية، أصرت تايلاند على رفض أن تسلك القضية مسار التدويل، مفضلةً تسوية القضية ثنائياً، من دون حتى أن ترفض عرض رابطة «آسيان» بالمساعدة، ولا سيما أن الاتفاق جاء على هامش اجتماع وزراء خارجية المنظمة الأسبوع الماضي.
فهل تتمكن بانكوك من النجاح في نزع فتيل أزمتها الحدودية مع جارتها، من دون تدخّل دولي.