أوساكا ــ بسّام الطيارةلم يعد الحديث في اليابان عن العولمة مجرد بحث نظري؛ فالعولمة وانعكاساتها حاضرة في كل زاوية من الحياة. وتاريخ شعب اليابان يفيدنا بأنّه لم يتردّد يوماً في أخذ ما تقدّمه له حضارات أخرى، من دون أن يعني ذلك تنازلاً عن مقوّماته الحضارية ولا انسلاخاً عن عاداته وتقاليده. وكانت استعارات هذا الشعب دائماً براغماتية، فيها نوع من «هضم المفيد من الأجنبي» وجعله يابانياً بدءاً من نظام اللغة الذي أُخذ عن الصين، إلى نمط الحياة الغربية المتطوّرة، مروراً بالعديد من الصناعات التي تمّ نقلها وتطويرها قبل إعادة تصديرها.
إلا أنّ لموجة العولمة السائدة، حالياً، خصائص تختلف عن موجات التقارب والانفتاح التي عرفتها اليابان سابقاً. فوجه الاختلاف اليوم هو الـ«غلوباليزايشون» كما يقول اليابانيون، أو الشمولية العالمية. وأبرز المجالات حيث يمكن أن يظهر ويلاحظ فيها بشدة تأثير العولمة الشمولية، هو في المخازن الكبرى.
فهذه المخازن باتت بفعل العولمة، متشابهة في شتى أركان المعمورة كلها، وهي تتميّز فقط بتسمياتها.
وهكذا، فإنّ المخازن اليابانية الكبرى التي يعود عمرها إلى أكثر من قرن مثل «داي مارو» أو «تكاشي يامايا»، والتي خلّدها أكبر روائيّي اليابان، باتت مشابهة لـ«غاليري لافاييت» أو «ساكس»: التنظيم متماثل والماركات الشهيرة تنضبط وراء «شروط الفرانشايز الصارمة» للمحافظة على أسرار «اللوكس»، بحيث يتساءل أيّ «زبون راشد اقتصادياً» ما الذي يدفعه لشراء سلعة ما في بلد أجنبي؟ وبالتالي، ما الذي يدفع اليابانيين للسفر زرافات زرافات إلى أوروبا أو أميركا لاهثين وراء شراء سلع مشابهة لما يوجد في متناول أياديهم وبأسعار مماثلة تقريباً؟ وهي الأسئلة نفسها التي يطرحها آلاف السياح الصينيّين الذين باتوا يتوافدون إلى اليابان.
لكن، إذا ما نظرنا ملياً بين السلع المعروضة بشكل وفير، نجد إلى جانب السلع المعولمة، سلعاً «خاصة باليابان». وإذا ما ركّزنا النظر، نجد أن نسبة كبيرة منها تحمل إشارة باتت شهيرة في الأرخبيل الياباني: «صنع في الصين»!
وفي الواقع، فإنّ نسبة كبيرة من الصناعات اليابانية انتقلت إلى الصين وباتت تصنع في هذا البلد تحت إشراف ياباني. ويفسّر هذا أن التبادل التجاري مع الصين يحتلّ مركز الصدارة مع ١٨٧ مليار يورو، وذلك للسنة الثالثة متقدّماً على الولايات المتحدة، وتأثيره في الاقتصاد الياباني يبلغ ٥٥ في المئة، وهي نسبة عالية جداً بمقياس التعامل الاقتصادي بين الدول.
وتشير الأرقام إلى تنافس حادّ بين اقتصادَي البلدين اللذين باتا مرتبطين عضوياً بحسب قول أكثر من خبير. ورغم نمو قيمة الصادرات اليابانية بنسبة 14.6 في المئة في السنة الأخيرة، إلا أنه، وللسنة الثانية على التوالي، فإن الميزان التجاري الصيني (177.74 مليار يورو) تجاوز الميزان التجاري الياباني (51.2 مليار يورو). ظاهرة تدفع المراقبين إلى متابعة العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين التي تشتدّ أواصرها حتى في ظل «بعض التوتر السياسي بين الفترة والأخرى» كما قال أحد المصادر المطلعة لـ«الأخبار». ويتابع المصدر أنّ حل الملف النووي الكوري الشمالي لا بد أن يساهم في زيادة التعاون، رغم إشارة أكثر من خبير إلى أن «واشنطن لا تنظر بعين الرضى» إلى هذا التقارب بين البلدين و«خصوصاً في حال انتفاء الخطر الكوري الشمالي» نهائياً.
ولفت أكثر من متابع إلى أنّ العديد من الخبراء باتوا يحذرون من إمكان أن تلعب الولايات المتحدة ورقة «كوريا الموحّدة» للفصل بين الصين واليابان تجسيداً لما يسمى «مبدأ مونرو» الذي وضعته واشنطن منذ القرن التاسع عشر، والذي ينص على «عدم السماح لأي قوة بأن تنشأ بين أميركا والصين»، وهو ما تراه دراسات السبب الاستراتيجي الذي أدى إلى الصراع الأميركي ـــــ الياباني.