أرنست خورييمكن ملاحظة خطّين مسيّرين لعناوين افتتاحيات الصحف والخبر الأساسي لصفحاتها الأولى: الأوّل، أجمعت عليه الجرائد المقرّبة من الحركة الإسلامية واليسارية بشكل عام، («زمان»، «يني شفق»، «صباح»، «طرف»، «وقت»...) وهو رأى أنّ حملة الاعتقالات «حدث تاريخي»، لأنه يطوي نهائياً صفحة الانقلابات العسكرية التي طبعت مرحلة القرن العشرين (3 انقلابات: 1960، 1971 و1980 وانقلاب «ناعم» في عام 1997 على نجم الدين أربكان).
غير أنّ الصحف المنضوية معظمها تحت لواء امبراطور الإعلام التركي، أي «مجموعة دوغان للإعلام» (التي تضمّ «حرييت»، «وطن»، «توركيش دايلي نيوز»، «ملييت»، «راديكال»...) تعاطت مع الخبر ـــ الحدث على أنه مفاجئ، ولا يعبّر سوى عن سياسة الحكومة بـ«كم أفواه معارضيها»، والهدف منه «نقل الاهتمام من محاكمة الحزب الحاكم وافتعال أزمة وهميّة».
هكذا عنونت «ملييت» صفحتها الأولى بـ«تسونامي»، بينما «المفاجأة» التي أُصيبت بها «وطن» عبّر عنها عنوان «ما هذا البلد!».
أمّا العنصر الأكثر إثارة في القضية، الذي قدّمت معظم الصحف رواية موحّدة عنه، فهو الاجتماع الذي عُقد بين أردوغان وقائد الجيش البري الجنرال إلكر باسبوغ عشيّة إطلاق الشرطة حملة اعتقالات قياديي ergenekon. وبحسب معظم التسريبات، فإنّ باسبوغ اتّفق مع رئيس الحكومة على السماح بشنّ الحملة من ضمن «تسوية» بين الرجلين، الهدف منها طمأنة الرأي العام بشأن انتفاء إمكان حصول انقلاب على الحكومة كترجمة لمحاكمة حزبها وقياديّيه من جهة، ومن ناحية أخرى، «نزع الثوب الوسخ» عن جسد الجيش، وهو رعاية الخلايا الإرهابيّة البارا ـــ عسكرية، الذي يعرف القاسي والداني في تركيا أنّها مثّلت طويلاً، وبقيت حتّى الأمس القريب، الأداة التنفيذية للجيش لتصفية حساباته مع معارضيه، (أكراداً أو شيوعيين أو إسلاميين) بطريقة لا شرعية.
وبالعودة إلى التغطية الصحافية المتباينة، فإنّ تورّط صحيفة «جمهورييت» بفضيحة ergenekon، من خلال اعتقال مدير مكتبها في أنقرة مصطفى بلباي، قد وضع كامل الجسم الإعلامي أمام تحدٍّ كبير؛ فإمّا تتعاطف وسائل الإعلام معها، أو تأخذ موقفاً أقرب ما يمكن أن يكون إلى الحياد في قضيّة جرميّة. ويبدو أنّ تقاسم أدوار أدّته ببراعة الصحف العلمانيّة المتشدّدة، إذ تولى بعضها شنّ حملة شرسة على خطوة الحكومة، بينما رحّبت أخريات بكشف النقاب عن التنظيم الإرهابي (كما كتبت «راديكال» مثلاً).
في المقابل، بدا كأنّ بعض الخصومات الصحافيّة كانت تنتظر اللحظة المناسبة لكي تفجّر عداواتها. فإذ بصحيفة «وقت» تنطلق من اعتقال رجل «جمهورييت» في أنقرة، مصطفى بلباي، لتذكّر باعتقال أحد أبرز أسماء الصحيفة بالتهمة نفسها في آذار الماضي، إلهان سلجوك، لتجزم بأنّ «جمهورييت» ليست سوى «نواة عصابة ergenekon».