شاركت فيها واشنطن وتل أبيب... وتطرح تساؤلات عن مستقبل «الفارك»
بول الأشقروقد تتحول «عملية شاه» بلغة الشطرنج ــ وهو الاسم الرسمي للعملية ــ إلى نوع من «الشاه مات» لمنظمة الـ«فارك»، إضافة إلى وسيلة سياسية قوية بيد الرئيس ألفارو أوريبي الذي يطمح لتبوّء رئاسة كولومبيا للمرة الثالثة على التوالي في عام 2010.
وبدأت تظهر إلى العلن بعض تفاصيل العملية التي حظيت، حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، بدعم لوجستي أميركي. وخفّف وزير الدفاع الكولومبي خوان مانويل سانتوس من أهمية هذا الدعم، بالتركيز على «طابعها الكولومبي مئة في المئة».
مهما يكن، يجمع المراقبون على أن الجيش قام بعملية من الطراز الرفيع. وتقول مجلة «سيمانا» إنّ التحضير لها بدأ بعدما تلقّى الجيش إثباتات عن مكان الرهائن، ويبدو أنّه حصل في هذه المرحلة على آليات ومساعدة إسرائيلية في مجال التجسس الإلكتروني وقطع الاتصالات بين جبهات الـ«فارك» المتعددة.
وفي هذا السياق، تشير أوساط الجيش إلى أنهم نجحوا في رؤية أكثر من مرة الرهائن بواسطة التجسس القمري. وعلى هذه القاعدة، نجح الجيش في تحديد مكان الرهائن الذين كانوا موزعين إلى ثلاث مجموعات منذ أشهر، وحوصروا عسكرياً، كما دلت شهادة بيتانكور التي تحدّثت عن صعوبات الحركة اليسارية في التموين.
الإنجاز الثاني الذي حققه الجيش، هو نجاحه في خرق مجموعات حراسة الرهائن، إما عن طريق إدخال عناصر تابعة له إلى مقارّها، أو من خلال كسب ولاء بعض العناصر من المنظّمة في مقابل مكافآت مالية كبيرة. تبقى المعلومات عن هذا الموضوع نادرة، وقد تتبلور تدريجاً مع مرور الوقت، فيما تحدثت أوساط حكومية عن «خرق وصل إلى صفوف أمانة سرّ الفارك».
الإنجاز الثالث هو إقناع مسؤولي مجموعات الحراسة بتجميع الرهائن في مكان واحد على ضفة نهر موجود في محافظة غوافاري في وسط البلد، لنقلهم إلى الجنوب على متن مروحيتين توفرهما منظمة غير حكومية مفترضة، ليكونوا على مقربة من زعيم الـ«فارك» الجديد أفونسو كانو.
أما الباقي، فيستحق أن يكون «سيناريو لفيلم مغامرات» بكلمات وزير الدفاع: وصلت المروحيتان وقد طُليتا بالأبيض، وخرج منهما الطاقم المكلف تنفيذ العملية، وهو يرتدي قمصاناً عليها صورة تشي غيفارا، وطلبوا من الحرس تكبيل الرهائن قبل إدخالهم إلى المروحيتين، كما طلبوا من المسؤول عن مجموعات الرهائن، ويدعى «سيزار»، ومعاون له، بالصعود إلى المروحيات لأنّ وجودهما «ضروري» لحظة تسليم الرهائن إلى كانو.
والطاقم يتصرف دائماً كأنه يحمل أوامر مباشرة من الزعيم الجديد. وفقط بعدما أقلعت المروحيتان وابتعدتا عن الثوار، حتى قالوا للرهائن: «نحن من الجيش الوطني الكولومبي وأنتم أحرار».
ويمثّل نجاح عملية «شاه» انتصاراً باهراً لأوريبي ولوزير دفاعه، ولخططهما العسكرية في التعاطي مع المنظمة الثورية. علماً بأنّ فريق عمل أوريبي قد أُجبر على التخلّي قبل فترة عن هذا النوع من العمليات التي كانت قد حصلت سابقاً على نجاح متفاوت، إذ كلفت حياة عدد من الرهائن، فيما كانت عائلاتهم تعترض عليها نظراً للخطر الذي تشكّله على حياة الرهائن، مفضلة طريق التفاوض دائماً.
في المقابل، تطرح العملية التي تحولت إلى استفتاء سياسي كبير لصالح أوريبي عدداً من الأسئلة الجديدة: الأول يدور حول مستقبل الـ«فارك» التي خسرت نهائياً، كما دلت العملية الأخيرة، معركة المعلومات والاستخبارات، وصارت عاجزة عن المبادرة العسكرية، وصفوفها محبطة ومخروقة. يُضاف إلى سجلّ إخفاقاتها مقتل عدد من قيادييها الكبار أو اعتقال بعضهم.
ويرى مراقبون أن الأوراق التي باتت بحوزة المنظّمة الماركسية تتضاءل يوماً بعد يوم، ويقدّرون أنّ استمرار هذا الوضع قد يزيد من الانشقاقات في صفوفها، وخصوصاً أن قدرتها على فرض شروط للتفاوض قد تراجعت دراماتيكياً بعد حرمانها من «أثمان» الرهائن، مع أنه يبقى بحوزتها بعض المئات منهم.
الأسئلة الأخرى تدور حول الوضع السياسي الداخلي: فهذه العملية تعطي أوكسيجيناً لأوريبي الذي يعاني حكمه ــ بالرغم من شعبيته الخيالية ــ من مشاكل شتى مع القضاء تعرقل رغبته في تجديد عهده. وفي هذا السياق، يرى عدد من المراقبين أن هذه الصعوبات ستتلاشى بعد نجاح عملية الكومندوس، فيما يرى آخرون أنّ هذا النجاح يساوي إطلاق ترشيح وزير الدفاع سانتوس، وهو مهندس الحرب على الـ«فارك».
وتبقى التكهنات بمستقبل بيتانكور السياسي؛ فبعدما كانت شعبيتها متدنية عشية خطفها في عام 2002، استعادت بسبب مأساتها تعاطف الكثيرين في كولومبيا تحديداً، بعد نشر صورها في المعتقل قبل أشهر.
وأثارت إطلالتها الإعلامية الأولى، اهتمام المراقبين لتماسكها السياسي وقدرتها التحليلية في شتى المسائل التي أثيرت، بحيث بدا موقفها متناقضاً مع الكثير مما كانت تقوله عائلتها، وتحديداً والدتها التي كانت على قطيعة سياسية وشخصية مع أوريبي.
ويشكل ظهور بيتانكور بالبزة العسكرية، إضافة إلى تأييدها للرئيس ولوزير دفاعه وللجيش «أداة سلام»، وتصريحها بأن إعادة انتخاب أوريبي «كان ضرورياً ومجدياً»، ضربة معلّم في ما يخص طموحاتها السياسية واستقطاب دعم جمهور أوريبي.