«نظريّة» الأمن على الجميع وتصفية الميليشيات بالمقايضة تستثني الأكراد
بغداد ــ زيد الزبيدي
لكن يبدو أنّ المعادلة لم تشمل الميليشيات التابعة للأحزاب الكردية، رغم وجودها خارج حدود إقليم كردستان، حيث أدّى هذا الاستثناء، بحسب مراقبين، إلى إفشال الحملات الأمنية على المحافظات الشمالية. ففي محافظة نينوى على سبيل المثال، لم يتم التعرّض من قريب أو بعيد إلى قوات «البشمركة» و«الأسايش ــ الأمن» الكردية، الناشطة ميليشياوياً في الموصل، رغم أن وجودها كقوات عسكرية حزبية يتنافى مع الشعار المطروح رسمياً، وهو «حصر السلاح بيد الدولة».
ورغم عودة المسلحين للظهور في الموصل، عاصمة نينوى، وتنفيذهم للعديد من التفجيرات الدموية وقيامهم باستعراض عسكري، لم تعلن الحكومة العراقية فشل حملتها الأمنية هناك، التي بدأت تحت تسمية «زئير الأسد» قبل أن تتحوّل إلى «أمّ الربيعين».
وبمقارنة بسيطة بين ما حصل في الموصل وما حدث في محافظتي ميسان والبصرة، فإن وجود التيار الصدري والمحسوبين عليه في العملية السياسية، لم يحمهم من أن يكونوا المستهدَفين الرئيسيين في المحافظتين الجنوبيّتين.
وبعد عمليات البصرة التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى في صفوف المدنيين والقوات العراقية الأمنية و«جيش المهدي»، كان واضحاً في «بشائر السلام» في ميسان، أن المستهدف هو أيضاً التيار الصدري، حيث كان أنصاره وأعضاؤه أصحاب الحصة الأكبر من المعتقلين والموقوفين. ولقيت حملتا البصرة وميسان، بعض الترحيب في الشارع، ولدى العشائر المتذمرة من تضاؤل نفوذها أمام المدّ الديني والطائفي، وتم اعتبار الحملتين نقلة في الأداء الحكومي، حيث إن القوة التي واجهتها الحملة، مشارِكة في العملية السياسيّة.
لكن المشهد لم يتكرّر في الموصل، حيث أخفقت الحملة في اقتلاع الفساد والتسلط داخل الأجهزة الحكومية، المرتبط ببعض الأحزاب المشاركة في دورها بالعملية السياسية. وكشفت تقارير إعلامية في بداية الحملة على المحافظة، عن عمق تورّط العديد من المسؤولين الحكوميين والأمنيين وفي الأحزاب السياسية، في الكثير من عمليات الاغتيال والخطف والفساد في الموصل، مثل الشبكة الإجرامية التي تبيّن أن مديرها هو مسؤول حزب مسعود البرزاني «الوطني الديموقراطي»، خسرو كوران.
لكن فوجئ العراقيون في ما بعد، بأن حملة الملاحقات الأمنية همدت بسرعة، وسرعان ما عاد المسؤولون المتهمون بالتورط في الفساد والعنف، إلى مراكزهم ووظائفهم، وعادوا ليمارسوا الأعمال الخارجة عن القانون نفسها، ما أفقد الحملة الدعم الشعبي وسهّل للفصائل المسلَّحة استرداد بعض نفوذها.
وأرجع مراقبون سبب الفشل هناك، إلى أنه لم يطبّق في الموصل معادلة التوازن التي استُعملت في بغداد (ضرب «القاعدة» و«جيش المهدي» على السواء)، التي كان يمكن أن تقوم في الموصل على «ضرب القاعدة والبشمركة معاً».
ورغم أن ميليشيا «البشمركة»، المعروفة لدى الأحزاب الكردية باسم «حرس الإقليم»، وقوات الأمن «الأسايش»، ينطبق عليهما تصنيف «القاعدة» و«جيش المهدي» نفسه كمجموعتين مسلحتين غير خاضعتين لسلطة الدولة، وتعملان خارج إقليم كردستان، إلا أن القوى السياسية الكردية رفضت وضعها في تصنيف واحد مع بقية الميليشيات، ما أبقاها خارج إطار الحملات الأمنية.
ويؤكد برلمانيون عراقيون من الموصل أن الأحزاب الكردية هناك لا تقيم أي وزن لحكومة نوري المالكي، أو قواته «المزعومة»، بدليل أنها لم تعر أي اهتمام لقراره وأوامره بإخلاء المباني الحكومية التي تشغلها الأحزاب والمنظمات في المدينة، وما زالت تشغل 90 مبنى فيها كمقارّ ومعتقلات تابعة لها ولمنظماتها.
ومن هذا المنطلق، طالب عضو مجلس النواب العراقي عن «الكتلة العربية للحوار الوطني»، محمد خلف الجبوري، المالكي بإعادة النظر في مجمل الخطة الأمنية المطبقة في نينوى.
وأشار، في مؤتمر صحافي في بغداد، إلى أن «أعمال الإرهاب عادت من جديد إلى محافظة نينوى، بسبب تدخل جهات سياسية في تنفيذ الخطة الأمنية».
كذلك، اتهم النائب فلاح حسن زيدان، «جهات كردية» بإفشال الخطة الأمنية «بغرض إبقاء المحافظة في وضع أمني مضطرب يضمن استمرار سيطرتها عليها». وأضاف زيدان إن «الجهات الكردية أفشلت الخطة الأمنية، لأجل منع أغلبية سكان المحافظة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار مجلس جديد يمثل الواقع السكاني الحقيقي في المحافظة».