يسعى إلى استثمار المؤتمر داخلياً... وأوساطه تستبعد الإعلام العربيبسّام الطيارةبدأ في باريس العدّ العكسي لافتتاح «قمّة الاتحاد من أجل المتوسّط» غداً، غير أن برنامج اليوم السبت لن يكون أقلّ أهميّة، ولا سيما لما سيشهده الإليزيه من قمم ثنائيّة وثلاثيّة ورباعيّة استثنائية، وخصوصاً تلك التي بات محسوماً أنها ستجمع الرؤساء: الفرنسي نيكولا ساركوزي، السوري بشار الأسد، واللبناني ميشال سيلمان وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، يعقبها مؤتمر صحافي رباعي في السادسة مساء.
وتؤكّد مصادر دبلوماسيّة في باريس أن القمّة الرباعيّة تؤشّر إلى أن اهتمام الرئيس الفرنسي ينصبّ على إحداث تقدّم ما في الملف الشرق أوسطي، سواء على صعيد العلاقات الثنائيّة أو العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل. وتدلل المصادر على هذا الاهتمام بالإشارة إلى أن ساركوزي خصّص مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع هؤلاء الزعماء، مستثنياً الأربعين رئيساً المشاركين في القمّة.
اهتمام ساركوزي ليس بعيداً عن مساعيه لاستثمار الحدث داخلياً، ولا سيما أن حملته الإعلامية التواصلية المكثفة في باريس وفي عواصم الدول المشاركة يقودها الأمين العام للإليزيه كلود غيان لا المستشار الدبلوماسي الأوّل جان دافيد ليفيت المسؤول عن الملفات الخارجية، ما دفع البعض إلى القول إن المؤتمر «هو شأن داخلي فرنسي» لأنه يجترح ملفات «تبدو خارجية» ولكنها تتقاطع بشكل كبير مع الملفات الداخلية.
فالملف اللبناني هو ملف «كل الفرنسيين» كما يردد أحد المراقبين، واستطراداً فإن استقبال الأسد مرتبط مباشرة بلبنان وبـ«لازمة الشروط التسهيلية» التي وضعها ساركوزي لعودة التواصل مع دمشق. إلا أن التواصل مع سوريا له أيضاً شق يطل على الصراع العربي الإسرائيلي، يعتبر ساركوزي، الذي يعرّف نفسه بأنه «صديق إسرائيل»، بأن حله «ينعكس إيجاباً على تعايش الطوائف في فرنسا»، وهو الذي خبر التوتر في الضواحي بين ذوي الأصول العربية وبين أبناء الطائفة اليهودية عندما كان وزير داخلية إبان ثورة الضواحي.
ورغم أن الأضواء ستسلّط على «الثلاثي»، الذي يعدّ حضوره «إنجازاً ساركوزياً»، وهم بالتسلسل وحسب قوة الإنجاز: الأسد ويليه سليمان ويليهما أولمرت، الذي يأخذ حضوره أهمية من «الضباب الإعلامي الذي يشاع حول إمكان لقائه بالأسد»، رغم «مظلة التهم التي تحوم فوق رأسه» والتي تتعلق بعمليات تزوير وتمويل رحلاته، إلا أن حضور دول أفريقيا الشمالية يدخل أيضاً في تلابيب الملفات الداخلية الفرنسية.
من ضمن أربعين دولة، تشدّد الوسائل الإعلامية على هذا الحضور الثلاثي وعلى إمكان اللقاءات التي يمكن تركيبها بين هذا الثلاثي بحضور ساركوزي أو بغيابه. ورغم أن الحملة الإعلامية التواصلية التي يقوم بها الإليزيه، والتي تتميز بغرابة فريدة باستبعاد الصحافة العربية في باريس عنها، تشدد على أن «الهدف ليس جمع إسرائيل بدول عربية»، إلا أنها تؤكد، بحسب مصدر قريب من ساركوزي، السعي إلى تجسيد بعض المشاريع ذات الأهداف الإقليمية، مثل إزالة التلوّث من المتوسط «أقذر بحر في العالم»، ومشاريع الطاقة وتوزيع مياه الشرب والطرق البحرية والبرية...».
ويقول أحد المقرّبين من الملف «إن عقبتين كانتا تقفان في وجه الفكرة: رضى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وتعامل الإعلام العربي معها» وصبغها بصفة «برشلونة ٢»، وخصوصاً أنه عند انطلاق الفكرة كانت فرنسا تقاطع «حماس» وسوريا. وهذا ما دفع هنري غينو، الذي كان وراء فكرة المؤتمر، لطرح مبدأ «الانفتاح على حماس» عبر إيفاد السفير الفرنسي السابق لدى العراق، إيف أوبان دو لا ميسوزيير، وربط ساركوزي مخاطبة دمشق بـ«شرط يراه البعض تسهيلياً».
ويستطرد المصدر بأن الهدف كان «إحضار الزعماء إلى هنا». ويفسر هذا استهداف الصحافة العربية بالذات وإنكار حقها بإطلاع قرائها عما يمكن أن يؤول إليه المشروع. بينما الإعلام الأوروبي، المطلوب منه مساعدة حكوماته على المضي بمشاريع ضخمة خرجت من بنات أفكار «لجنة قيادة المؤتمر» التي تسكن في مبنى مقابل الإليزيه ويرأسها آلان لوروا، قد أفحم بالتقارير والاجتماعات والتفسيرات.
أما استبعاد العرب عن «اللقاءات التفسيرية لأهداف المؤتمر» فهو يعني، بتفكير من يقف وراءها، أن رضى «الشارع العربي غير مطلوب» ما دام رؤساؤه قد لبّوا الدعوة إلى البروز في منصة الرئيس التي يتقاسمها ساركوزي مع «من حصل على نصفها الآخر بسبب صلحه مع إسرائيل» وأن الإضاءة الإعلامية الطبيعية تشير إلى «المَعلَم الذي يقف وراء فكرة المؤتمر» وهو «جلوس زعيم إسرائيل ضمن زعماء عرب، وخصوصاً رئيسي لبنان وسوريا» وهو ما يراه دبلوماسي بارز «إنجازاً بحد ذاته» عجزت عنه «مبادرتا برشلونة وأنابوليس».