القاهرة ــ الأخبارأزمة المنيا لن تحلّ بسهولة كما تعوّدت الأجهزة المعنية في نظام الرئيس حسني مبارك. فقد أفسدت قيادات مطرانية ملوي السيناريو المعتاد في مثل هذه الأزمات ورفضت الجلوس مع قيادات القبائل التي هاجمت فرقة منها دير أبو فانا يوم السبت الماضي وخطفت ٣ رهبان وأصابت آخرين لتوقيف عملية بناء السور حول أرض الدير.
رفض جلسة الصلح مع قيادات البدو أو أكابر العرب في قرية قصر هور، حيث يقع الدير، جاء على لسان الانبا ديمتريوس، أسقف ملوي، أي من قيادة المسيحيين في المنطقة. وهو من اشترط للموافقة على مفاوضات الصلح الإفراج عن رفعت فوزي، المقاول الذي أشرف على بناء السور واتهمته السلطات الأمنية بأنه قتل أحد المزارعين المسلمين أثناء صد الهجوم. تهمة ينفيها الدير، مؤكداً أن القتيل قتل في مكان آخر في معركة عائلية.
المطرانية أعلنت أيضاً، في طريق التصعيد، حيازتها شريطاً مصوّراً يُظهر عمليات تعذيب الرهبان أثناء اختطافهم على أيدي المهاجمين المسلمين، وطباعة نسخة لإرسالها إلى البابا شنودة بغرض استئذانه في عرضها خلال مؤتمر صحافي يشرح الحقيقة للرأي العام.
الرواية الأمنية مختلفة عن رواية الكنيسة، ورويت على أكثر من لسان، لكنها جميعاًَ تصب في أن القتيل هو ضحية المواجهات بين العرب ورهبان الدير والمقاول والعمال، وهي المعركة التي بدأت، بحسب الرواية الأمنية، بمحاولة الرهبان ضم ٣ كيلومترات من الأراضي إلى محيط الدير، ما استفز العرب رغم أن الأراضي ملك للدولة. إلا أن العرب شكّلوا فرقة هجوم مكوّنة من ٤٠ إلى ٦٠ شخصاً، بحسب روايات الرهبان، وهاجموا الدير.
التضارب في الروايات هو سمة تعقد الوصول إلى حل، إضافةً إلى رفض جلسة الصلح والرغبة في تصعيد القضية وتحويلها إلى صراع يشهده الرأي العام المشحون أصلاً. وهناك شكوى مبطّنة من موقف الجهات الأمنية والحكومية التي تتعامل بطريقة لا يبدو عليها انحياز مباشر، لكنها ليست قوية في رفضها للاعتداء، وهو ما تفسده تصريحات محافظ المنيا اللواء أحمد ضياء الدين، الذي أشار إلى أن ما حدث هو صراع «على مصالح خاصة»، وتسريب معلومات عن أن السبب هو رغبة الرهبان في توسيع الدير وبناء ثلاث قلايات (أماكن عبادة الرهبان).
بالنسبة إلى الأمن القضية انتهت بإلقاء القبض على القاتل والمحرّضين (بينهم رهبان)، إضافةً إلى ٥ مسلمين. كما أن هناك حصاراً أمنياً للمنطقة بطول ٣٥ كيلومتراً تحسّباً من انفجار الفتنة مجدداً أو انتقالها إلى منطقة أخرى.
والمطران ديمتريوس، الذي رفض الصلح، يرفض العودة إلى نقطة الصفر، التي سبقها صلح مماثل قبل ٦ أشهر ولم تمنع الهجوم الأخير. وهو يبدو كقائد عمليات على اتصال بغرفة مركزية في القاهرة يديرها اثنان من مساعدي البابا الموجود حالياً في أميركا للعلاج.
من ناحية أخرى، انتهت أمس أزمة اختيار رئيس جديد لمجلس الدولة بموافقة ٦٧ في المئة من أعضاء الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة (المعنيّ بقضايا تتعلّق بشرعية إجراءات الجهاز الحكومي التشريعي) على المستشار نبيل ميرهم، الذي أرسل الرئيس مبارك قبل أيام خطاب ترشيحه حسماً لأزمة لاحت في الأفق، وكان البعد الطائفي في خلفيتها غير المعلنة، ولا سيما أن مرشّح الرئيس مسيحي.