موسكو ــ حبيب فوعانيوبالنظر إلى عدم صدور تكذيب رسمي في حينه لهذا الخبر، وعدم ظهور بالويفسكي لأسابيع، فقد رأى المراقبون الأمر صحيحاً، وأن قبول استقالته هو مسألة وقت. ودعم هذا الافتراض غياب بالويفسكي المفاجئ عن اللقاء الروسي ـــ الأميركي الأخير بصيغة «2+2» بين وزراء خارجية ودفاع البلدين، وذلك رغم اعتباره أحد المفاوضين الدائمين مع الولايات المتحدة بشأن قضايا الاستقرار الاستراتيجي.
وفسّرت وسائل الإعلام الغربية عدم حضور بالويفسكي اللقاء بتليين الكرملين موقفه بصدد نصب عناصر الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، حيث كان الجنرال الروسي معروفاً بمواقفه المتصلبة من الغرب. فهو أعرب أكثر من مرة عن معارضته الشديدة لعسكرة الفضاء، ودعا حلف شمال الأطلسي إلى عدم تسليح جورجيا لتفادي نشوب نزاع عسكري على جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وأدلى في السنوات الأخيرة بتصريحات كثيرة عن «الرد الملائم» على نصب عناصر منظومة الردع الصاروخية الأميركية في بولندا وتشيكيا. كما تحدث عن إمكان تصويب الصواريخ الروسية نحو هذين البلدين، ورأى في أحد المؤتمرات العلمية في موسكو ضرورة استخدام روسيا الاستباقي الأسلحة النووية للدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها وعن حلفائها.
إضافة إلى ذلك، حافظ بالويفسكي على علاقات تعاون جيدة مع القيادتين العسكريتين السورية والإيرانية، وقال في دمشق مطلع شباط من عام 2006 إنه «يجب أن يكون لدى سوريا جيش محترف جيّد الإعداد وحسن التسليح». واعتاد أن ينفي دوماً الحجج الغربية عن قدرة طهران على صنع أسلحة نووية أو صواريخ بعيدة المدى.
غير أن الخبراء الروس مقتنعون بأن تصريحات بالويفسكي لم تخرج عن إطار نهج بوتين وخطابه المتشدد حيال الغرب في مدينة ميونيخ الألمانية في مطلع العام الماضي، ويؤكدون أن نقل رئيس هيئة الأركان من منصبه تم لأسباب داخلية.
ووفق المصادر العسكرية لصحيفة «كوميرسانت» الروسية، فإن خلاف بالويفسكي مع رئيسه يعود إلى الإصلاحات، التي بدأ سيرديوكوف بإجرائها، بينها تحويل عدد من الوظائف العسكرية إلى مدنية، خصخصة المنشآت العسكرية وتقليص الجهاز المركزي للوزارة.
ويرى الخبير العسكري الروسي ألكسندر غولتس أن نقل بالويفسكي من منصبه، الذي شغله منذ 19 تموز 2004، وتعيينه نائباً للأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي، قد تم نتيجة لهذا الخلاف.
لكن أهمية هذا المجلس كانت دائماً ضئيلة في المسارات السياسية التي جرت في روسيا، وخصوصاً في عهد الرئيس السابق بوتين، لأن القرار السياسي بشأن القضايا المهمة كان يُصنع في كواليس الإدارة الرئاسية في الكرملين.
غير أن المجلس بعد تنصيب مدفيديف أصبح يضم، إضافة إليه وبوتين، شخصيات سياسية نافذة في معظمها من ممثلي الدوائر السيادية من رجال بوتين. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخبراء لا يعتقدون بإمكان ممارسة المجلس دوراً حاسماً في السياسة الروسية في عهد مدفيديف، ويرون أنه سيبقى مكاناً لإحالة المغضوب عليهم من المقالين، ولا سيما أن مركز الثقل السياسي انتقل هذه المرة إلى مقر رئاسة الحكومة الروسية.