مع اقتراب موعد توقيع الاتفاقيّة الأميركيّة ــ العراقيّة، الذي حدّدته واشنطن قبل نهاية تموز المقبل، تكثر المعلومات والتسريبات عن مضمون المعاهدة التي بات شبه مؤكّداً أنها ستؤول إلى تأبيد السيطرة الأميركية على مقدّرات العراق وسيادته. آخر تلك المعلومات ما رشح من الطبقة السياسيّة في بغداد عن أنّ واشنطن قدّمت مسودّة جديدة للاتفاقيّة تخفض سقف توقّعاتها منها، بينما واصل رئيس الحكومة العراقيّة نوري المالكي زيارته التطمينيّة لطهران في أجواء أوحت أنّ كلاً من قادة الجمهوريّة الإسلاميّة والمالكي نفسه، أوصلوا الرسالة ذاتها: العراق لن يكون ولن يُسمَح له بأن يكون قاعدة للاعتداء على أمن إيران. ورأى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، بعد لقائه المالكي الذي يزور طهران منذ ثلاثة أيام، أنّ وجود القوات الأميركية في العراق يمثل «المشكلة الرئيسية»، داعياً العراق «إلى التفكير في حلّ لتحرير البلاد من الاحتلال».
وقال المرشد إنّ «رغبة عنصر أجنبي في التدخل في شؤون العراق والهيمنة على البلاد هي المشكلة الأساسية أمام تطوّر العراقيّين وعيشهم الكريم». وتعهّد خامنئي دعم بغداد قائلاً «إنّ مساعدة العراق واجب علينا شرعاً».
ولم يذكر خامنئي أيّ موقف مباشر من الاتفاقية الأميركية ــ العراقية الطويلة الأمد المتوقع إبرامها قريباً، لكنه شدد على أنه «من يجب أن يقرر مصير العراق هم العراقيون لا الأميركيّون».
وفي ثالث زيارة له لإيران منذ توليه مهماته عام 2006، ظهر المالكي في مشاهد بثّها التلفزيون الإيراني الرسمي مرتدياً قميصاً أبيض من دون ربطة العنق التي كان يرتديها في زياراته السابقة، في مشهد رآه بعض المراقبين تعبيراً عن ولائه لطهران، التي ترى أن ربطة العنق رمز «الإمبريالية الغربية».
وكان المالكي قد كرّر خلال الزيارة «شكره لإيران على دعمها غير المحدود للعراق»، متعهّداً ألا تُستخدم بلاده قاعدة للاعتداء على الجمهورية الإسلامية في ظلّ الاتفاقية.
وفي وقت لاحق، أعلنت وكالة «إرنا» الإيرانيّة للأنباء توقيع وزيري الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار والعراقي عبد القادر جاسم العبيدي مذكّرة تعاون أمني لتعزيز استقرار المنطقة.
في المقابل، ذكرت تقارير إعلامية أنّ الجانب الأميركي استجاب للمطالب العراقية بتعديل عدد من البنود التي تخترق السيادة بشكل فاضح. فقد أشار النائب عن «الائتلاف العراقي الموحد» حميد معلة إلى أنّ «الجانب الأميركي بدأ بالاستجابة لهذه المطالب وخفض سقف مطالبه التي تضمّنتها مسودّة الاتفاقية».
وعلى الصعيد نفسه، أكّد النائب عن التحالف الكردستاني، محمود عثمان، أنباء إعادة واشنطن النظر ببنود الاتفاقية، قائلاً لوكالة «فرانس برس» إنّ «الأميركيين قدموا مسودة جديدة، خفضوا خلالها سقف مطالبهم بما يتجاوب مع المطالب العراقية، ولذلك تقترب ورقة العمل العراقية من الأميركية».
وكشف عثمان أنّ المسودّة الجديدة «تتضمن تسليم أي عراقي تعتقله القوات الأميركية إلى القضاء العراقي وعدم توفير أي حصانة لشركات المرتزقة الأمنية، على أن يتم الاتفاق لاحقاً بخصوص الحصانة الخاصة بالقوات الأميركية». وتابع النائب الكردي أنّ المسودة الجديدة «تتضمن عدم تحريك أي وحدات عسكرية أميركية إلا بعد موافقة الجانب العراقي، وكذلك عدم استخدام أي موقع بحري أو جوي أو أرضي لمهاجمة دول الجوار».
وكشفت صحيفة «تايمز» البريطانية أن الرئيس الأميركي جورج بوش تدخل شخصياً لنزع فتيل التوتر بعدما تعقّدت المفاوضات مع الجانب العراقي. ولفتت الصحيفة إلى أن بوش اتصل هاتفياً يوم الخميس الماضي بالمالكي ليؤكد له أنّ واشنطن «ستُعيد النظر بأي جزء يثير الخلاف في الاتفاقية».
وأضافت الـ«تايمز» أنّ بريطانيا «ستسعى هي الأخرى إلى إبرام اتفاقية ثنائية خاصة بها مع العراق لشرعنة وجود قواتها على أراضيه لمرحلة ما بعد عام 2008 وتراقب باهتمام بالغ المفاوضات الدائرة بين الجانبين الأميركي والعراقي».
وفي السياق، أوضح القيادي في كتلة «الائتلاف العراقي الموحد» الحاكم، سامي العسكري، عزم الحكومة العراقية على تنفيذ خطة تهدف إلى تخليص الأموال المحجوزة في الولايات المتحدة التي تعود للنظام العراقي السابق، من الضياع أو الملاحقة القانونية.
واتهم العسكري الإدارة الأميركية باستخدام هذه الأموال ورقة للضغط على الحكومة العراقية من أجل توقيع الاتفاقية الطويلة الأمد، في تأكيد لما كشفته صحيفة الـ «إندبندنت» البريطانيّة الأسبوع الماضي عن هذا الموضوع.
ميدانياً، أعلن الجيش الأميركي مقتل أحد جنوده وإصابة 18 آخرين في تفجير انتحاري بالقرب من قاعدة عسكرية في كركوك. كما سقط نحو ثمانية عراقيين في أعمال عنف في مختلف أنحاء البلاد، فيما عثرت الشرطة على أربع جثث مجهولة الهوية في بغداد.
(الأخبار، أ ف ب، أ ب، رويترز، يو بي آي)