اليمن واليسار يتناوبان على مهاجمته... وكوشـنير «غير مسرور»بسّام الطيارةهل كُتب على الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، أن يتعرّض للانتقاد مهما كانت سياسته؟ مرة أخرى تثير دعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى باريس موجة من الانتقادات وكمّاً من التعليقات التي تعيب على ساركوزي «توجيه دعوة إلى سوريا لحضور احتفالات ١٤ تموز الوطنية».
عندما دعت فرنسا الفرقاء اللبنانيين، بمن فيهم حزب الله، إلى «تمرين سيل سان كلو» للحوار في 15 تموز العام الماضي، هبّت موجة استنكار تنتقد «تسليف حزب الله اعترافاً دولياً». لكن ساركوزي استطاع «الاحتماء وراء وزير خارجيته»، برنار كوشنير، إذ سمي التمرين آنذاك «مبادرة كوشنير» وظل الإليزيه بعيداً عنها.
عندما أرسل ساركوزي أقرب مساعديه إلى دمشق في محاولة لتحريك «التصلب الذي أصاب الملف اللبناني» قامت قائمة المعترضين من يسار ويمين الطاقم السياسي الفرنسي بحجة «ضرورة عدم مخاطبة من يضع العراقيل في وجه انتخاب رئيس للبنان». فما كان من ساركوزي إلا أن أعلن بشكل مسرحي قطع «التواصل على مستويات عالية سياسيّاً» مع دمشق واضعاً شرط «تسهيل انتخاب رئيس لبناني». إلا أن هذا لم يمنع الانتقادات من أن تنهمر عليه، إما بحجة تجاوز الكي دورسيه أو بحجة اتّباع سياسات «قصيرة النفس» وتغيير التوجهات بسرعة. كما جاءته في حينها بعض الانتقادات «مع مفعول رجعي» من بيروت وواشنطن، وكذلك من باريس بسبب «التفكير في التشاور مع دمشق».
وبعد اتفاق الدوحة، ورغم اعتراف الجميع بـ«الدور الإيجابي لدمشق في الوصول إلى حل» وعند تنفيذ الرئيس الفرنسي تعهّده، ومبادرته إلى مخاطبة الأسد قبل أن يستقل طائرته لتهنئة الرئيس اللبناني الجديد، العماد ميشال سليمان، زادت وتيرة الانتقادات وتضاعفت حدتها، وخصوصاً عندما أعلن الإليزيه أن «دعوة لحضور العرض العسكري في الشانزيليزيه قد وجّهت إلى الرئيس السوري».
حدة الانتقاد تثير عدداً من التساؤلات وبعض الامتعاض في «الأوساط التقنية في وزارة الخارجية»، إذ يقول أكثر من خبير فيها إن «التقدم في معالجة الملفات لا يتم عبر المقاطعة وقطع خطوط التواصل بين الفرقاء». ويشير هؤلاء إلى أن كوشنير المعروف بصراحته، لم ينتقد الدعوة بل أعلن «أن الأمر لا يسرّه»، مذكّراً على موجات إذاعة «أوروبا ١» بأنه من الضروري «التحدث مع من يعارضنا».
كذلك فعلت وزيرة الدولة لشؤون حقوق الإنسان، راما ياد، التي صرحت بأن الدعوة هي عبارة عن «يد ممدودة» قبل أن تضيف إنها لا تعني إعطاء «صك براءة» للسلطات السورية، مضيفة إن هذه الخطوة تدعم سعي باريس إلى «تهدئة العلاقات بين سوريا وجيرانها»، بينما دعا فرانسوا فييون إلى قراءة الدعوة بشكل إيجابي، مشيراً إلى أن فرنسا تسعى بقوة إلى إيجاد «شروط سلام في الشرق الأوسط وفي محيط المتوسط».
أكثر الانتقادات حدةً أتت من اليسار والمنظمات الحقوقية مثل «مراسلون بلا حدود»، التي اتهمت الأسد بأنه «رئيس أحد الأنظمة الأكثر إرهابيةً في العالم». وتساءلت «إلى أي حد يمكن ساركوزي أن يذهب لينجح في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط؟» مذكّرةً بدعوة الزعيم الليبي معمر القذافي وزيارة ساركوزي الرئيس زين العابدين بن علي في تونس.
أما رئيس الوزراء السابق، الاشتراكي ميشال روكار، فقد دعم مبادرة ساركوزي تحت عنوان البراغماتية السياسية، مشيراً إلى أهمية «إفهام سوريا ما يمكن أن تربحه» إذا دخلت اللعبة الدولية حسب أصولها وابتعدت «عن دعم الإرهاب والعيش بسلام مع بقية المجتمع الدولي».
إلا أن دعم روكار لتحرك ساركوزي لم يخلُ من نقد ومحاولة عرقلة، إذ إنه أضاف، في مقابلة على القناة الثانية في برنامج إخباري صباحي، «لو أنني مكان ساركوزي، لكنت قد دعوته إلى مكتبي لجلسة عمل ولسمحت بالتقاط ثلاث صور فقط». قبل أن يتابع «كنت رئيس وزراء لمدة طويلة ولا يمكنكم أن تتصوّروا عدد المجرمين الذين صافحتهم».
ورغم أن روكار شدّد على أن الأمر «لا يتعلق ببشار الأسد»، إلا أن الكثير من المراقبين اعتبروا الجملة محاولة لنسف زيارة الرئيس السوري.