يديعوت أحرونوت ــ إيتان هابر سجّلوا أمامكم أسماء السياسيين والشخصيات العامة والصحافيين الذين يدفعون الحكومة والجيش باتجاه الدخول إلى غزة. هؤلاء الأشخاص، بالضبط هم، سيسألون في فترة ما بعد الحرب التالية (نعم ستكون هذه حرباً)، من على كل منصة عامة: «لماذا دخلنا؟ ماذا كانت الحاجة إلى ذلك؟» وسيطالبون بالطبع برؤوس أولمرت، باراك وغابي أشكنازي تحت شعار تحمّل المسؤوليات الشخصية. صحيح، لا جدل في أن الوضع في سديروت وغلاف غزة (يا له من وصف لطيف وحميم في ضوء الوضع. من اخترعه؟) لا يطاق، لا يمكن ولا يحتمل مثله.
صحيح أنه لم يكن، لا يوجد، ولن تكون هناك أي دولة أخرى في العالم تسمح حتى بالاستمرار، ولو ليوم واحد، في المساس بسيادتها وبشعبها بشكل رئيسي. صحيح أيضاً أن الجيش الإسرائيلي يمكنه بقوته الحالية أن يمحو غزة من على وجه الأرض (وبيننا حتى من يعدون بمحو إيران بعشرات ملايين مواطنيها).
كل شيء جيد وجميل وصحيح. ولكن لا ينبغي للمرء أن يكون محلّلاً عسكرياً مثل ليدل ـ هارت أو جنرالاً متقاعداً في الجيش الإسرائيلي مثل عميرام لفين كي يعرف ويدرك أن عملية عسكرية واسعة، وهي كلمة محترمة للحرب، ستؤدي في أعقابها ربما، ربما، ربما لأشهر من الهدوء، ولكن بعدها يأتي مرة أخرى الطوفان.
يدور الحديث عن 1.5 مليون نسمة، ليس لهم أي شيء يخسرونه. ولا حتى قيودهم كما يقول القول المأثور إياه (إذ إن القيود باعوها لتاجر الخردة). وهم مسلحون حتى ما فوق الرأس، وبعد الاحتلال، التحرير، في حرب الأيام الستة، احتفظوا بوسائل قتالية عديدة.
نحتل غزة، نمحوها، وماذا في ذلك؟ فليس هناك مثل جيراننا العرب في مجال الترميم. كل من خدم في المناطق يروي عن سرعة الترميم للمنازل المهدومة. أحياناً في غضون يومين ــ ثلاثة. سيقتل لهم مئات وربما آلاف. وماذا في ذلك؟ في السجون والمعتقلات الإسرائيلية يوجد في هذه اللحظة أكثر من 10 آلاف إرهابي، معظمهم ــ انتبهوا ــ لم يكونوا قد ولدوا عندما اندلعت الانتفاضة عام 1987. هذه أصبحت الوردية الثالثة أو الرابعة لأطفال الحجارة إيّاهم. هناك من يقول إن نصف مليون فلسطيني تقريباً اجتازوا غرف الاعتقال والتحقيق عندنا، وهم لا يزالون يطلقون «القسام» على سديروت وغلاف غزة. إذاً، هل تنقصهم القوة البشرية؟
يجلس في هذه اللحظة يهود طيبون ويقولون: انظروا كيف يحاول أن يربكنا ويلعب بعقولنا؟ الجيش الإسرائيلي خاصّتنا سيجد الموعد، الطريقة والنهج، فقط أعطوه الأمر السليم. ألا تذكرون عملية «عينتيبة» في أوغندا؟ وإيهود باراك وهو في زي امرأة داخل أزقة بيروت، أتذكرون؟ أعطوا الجيش الإسرائيلي الأمر وجنوده سينطلقون من بين أزقة البيوت، وسيخرجون من آبار المجاري ليصلوا مباشرة إلى معاقل الإرهاب ويحطموا له الوجه. فقط أعطوا الأمر، هيّا!
لقد ولّت تلك الأيام. الجيش الإسرائيلي اليوم واعٍ، يعرف حدود القوة ويعرف أيضاً أن السياسيين حين يعطون الأمر، إذا ما فعلوا ذلك لا سمح الله، فإن عدد القتلى في أعقاب الهجوم على غزة سيكون أمراً لا يطاق. الجيش الإسرائيلي بات يعرف مثلاً أن حرب لبنان الثانية ذهبت هباءً، وأن كل شيء، أو تقريباً كل شيء، قد عاد إلى مكانه باستثناء 166 إسرائيلياً لم يعودوا إلى الديار.
الصهيونية، مبنيّة، ضمن أمور أخرى، ولكن ليس فقط، على مساحة الزمن، طول النفس، الحروب التي لا مفر منها، والبناء، البناء، البناء للدولة التي لا يوجد الكثير مثلها في العالم. وبين الحروب والعمليات الإرهابية المتواصلة منذ القرن التاسع عشر، عضّ الشعب اليهودي على شفتيه وبنى وطناً فاخراً في دولة إسرائيل. ليست هذه مواساة للمواطنين الذين يجلسون في سديروت ويطالبون بحل، ولكن هذه هي الحقيقة التي ربما لم يولد بعد السياسي الذي يقولها.