الملفّات الخطيرة لـ«أنموفيك» ستبقى سريّة 60 عـاماً
نيويورك ـ نزار عبود لكنها تركت أرشيفاً ورقياً ــــ إلكترونياً بالأطنان ومئات «الغيغابايت»، بعيداً من فضول الباحثين والمؤرخين.
قبل أيام، قدّم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تقريره النهائي لـ«أنموفيك» المعنية بالتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. التقرير قُدّم عملاً بقرار مجلس الأمن رقم 1762 الصادر في 29 حزيران 2007، والذي أنهى ولايتي «أنموفيك» والوكالة الدولية للطاقة الذرية، الممنوحتين بموجب القرارات ذات الصلة.
لكن أهم ما في التقرير الصادر في 9 حزيران الجاري هو الطلب من بان التصرف بمحفوظات اللجنة وممتلكاتها «بشكل ملائم». والطلب منه بشكل خاص ضمان الاحتفاظ بـ«المعلومات الحساسة المتعلقة بالانتشار، أو المعلومات التي قدّمتها الدول الأعضاء في إطار السرّية تحت رقابة مشددة»، وأن ينقل إلى حكومة العراق جميع الاعتمادات غير المربوطة المتبقية في حساب الضمان المُنشأ بمقتضى القرار 986 الصادر في 1991 عن طريق صندوق التنمية للعراق، في موعد لا يتعدى ثلاثة أشهر من تاريخ القرار. وطلب المجلس إلى الأمين العام إبلاغه خلال 3 أشهر بالخطوات المتخذة بشأن التصرف في محفوظات «أنموفيك» وفي ممتلكاتها
الأخرى.
ويتضمّن التقرير سرداً لكيفية حفظ الوثائق الورقية والسجلات الإلكترونية والمواد المتعلقة بـ«أنموفيك» في مباني الأمم المتحدة في نيويورك، مشيراً إلى أن المعلومات الموجودة صُنّفت إلى قسمين، الأول «سري جداً» وسيتم إبقاؤها مختومة لفترة 60 سنة. والثانية «سريّة» وستحفظ لمدة 30 سنة على الأقل. على ألا ترفع السرية بعد ثلاثين وستين سنة إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي.
أما إذا أرادت أي هيئة دولية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الاطّلاع على الوثائق في أي مرحلة مقبلة، فإن لجنة مؤلّفة من ثلاثة أشخاص، يوافق مجلس الأمن على تأليفها، ستُعطى صلاحية الترخيص بفتحها بعد التحقّق من وجاهة الطلب.
وثائق «أنموفيك» تصل إلى أكثر من 1200 صندوق تحتوي على أكثر من 8500 ملف: أنشئت قاعدة بيانات إلكترونية بالمحتويات وأمكنة الصناديق، ووضعت المحفوظات في الطابق السفلي الثالث من مبنى الأمانة العامة قبل أن تنقل إلى منطقة التخزين المكيفة بيئياً، والتي أعدت خصيصاً في المبنى 304 من شارع 45 في حي مانهاتان قبالة مقر الأمم المتحدة. وستُركّب أجهزة رصد معززة لمراقبة المقر وأجهزة إنذار صامتة وكاميرات مثبتة بدوائر مقفلة، وسيُحرس المبنى بشكل دائم.
أما الـ400 «غيغابايت» من بيانات نظام المعلومات الجغرافية وجهاز تلقي البريد الإلكتروني التابع للجنة، فسيوضع في مبنى آخر في جزيرة لونغ آيلند القريبة، وسيُعزّز الأمن المادي في محيط المبنى باعتباره جزءاً من برنامج مشروع مراقبة الدخول.
وستتلف اللجنة الوثائق والمواد الأخرى العديمة القيمة.
يبقى السؤال الأهم في كل هذه السريّة: هل يمكن اعتبار أي شيء اطلع عليه عشرات، بل مئات الخبراء من دول مختلفة أعضاء في الأمم المتحدة، سرياً؟ فولاء مسؤولي الأمم المتحدة ليس حصرياً بمنظمة محددة. إنه ولاء متعدد الأطراف. لكل موظف ولاءات عديدة، أولها للدولة التي عينته في منصبه، وثانيها لمجلس الأمن والجمعية العامة وللأمانة العامة، وأخيراً للأمم المتحدة كمنظمة تمثّل الدول الأعضاء. وإذا كان السرّ يذاع حين يتجاوز الاثنين، فكيف إذا تعاقب على نقله المئات ووزع في وثائق للبعثات والوفود الدولية؟
المعلومات التي تجمعها اللجان الخاصة غالباً ما تكون استخبارية دقيقة، لا سيما إذا تمت على يد ضباط وعلماء من خلفيات أمنية. والأمم المتحدة عيّنت ودرّبت أكثر من 350 خبيراً في «أنموفيك» خلال فترة عملها. معظم هؤلاء قدموا إلى الأمم المتحدة من أجهزة استخبارات أو مراكز بحوث، لا سيما البريطانية والأميركية والأوسترالية. ثم منعت «أنموفيك» من إتمام عملها بعد غزو العراق واحتلاله من دون إصدار شهادة خلوّه من أسلحة الدمار الشامل. وطويت الملفات ودفنت، لتدفن معها سمعة ما يسمى بـ«المجتمع الدولي» المتمثل بالمنظمة التي كانت مسؤوليتها بعد الحرب العالمية الثانية إيجاد «نظام دولي جديد» كما تصوّرها وكيل وزارة الخارجية الأميركية آنذاك، دين أتشيسون. فإذا بالنظام العالمي الجديد قديم حتى في أدق تفاصيله.