القاهرة ــ وائل عبد الفتاحبطلة الرواية اسمها حالياً داليا محمد فرج. غيّرت اسمها القديم دميانة مفرج، عندما أرادت الزواج من محمد حسن زكي وأنجبت طفلاً اختارت له اسماً، له دلالة قوية: سيف الاسلام.
إلى هنا، الحكاية عادية وتحدث في مصر بشكل طبيعي. إلا أنّه مع التوترات الطائفية في السنوات الأخيرة، أصبح هذا الزواج مستفزاً بالنسبة إلى المسيحيين، وأقرب إلى «الاعتداء الطائفي». وهو ما جعل المسيحيين في القرية يحاولون خطف الفتاة وإعادتها إلى «جماعتها» طوال سنتين حتى نجحت مجموعة في التقاطها أثناء زيارة عائلية في حيّ من أحياء القاهرة. اختُطفت هي وطفلها (١٠ شهور) كما تقول الرواية التي أشعلت القرية.
الحكاية كانت حديث صلاة الجمعة وخروج المصلّين من المساجد ليتقدموا عائلة زوج الفتاة.
الأمن تصرّف بالطريقة المعتادة. استدعى واحداً من «كبار الأقباط» اعترف بالخطف وأعلن رفض عودة الزوجة لأنها مسيحية، وقد تمّ استردادها. وبالنسبة إلى الطفل فقد وعد بإعادته في غضون أيّام.
هذه الإضافات للرواية لم تنهِ الشحن الطائفي، بل وضعت الزيت على النار في القرية التي يسكنها ٥٠ ألفاً، بينهم ١٥ ألف مسيحي يسيطرون على النشاط التجاري والمالي، وهو ما يجعلهم هدفاً أمام الجموع الغاضبة من المسلمين.
أوّل المعركة قادتها عائلة الزوج وهاجمت فيها بيوت الأقباط ومحالّهم لينضم بعدها المئات من المسلمين المتضامنين في «حرب الثأر» من المختطفين. استمرت المعركة من السادسة مساءً وحتى التاسعة حين أعلنت الشرطة حظر تجول بعد تحطيم أكثر من ٢٠ محلاً للأقباط وحرق وتدمير سيارات خاصة كانت تقف أمام الكنيسة التي تحطمت واجهاتها الزجاجية تماماً. هذا طبعاً عدا تسجيل عدد من الإصابات، ورهينة اختطفها الغاضبون المسلمون من بيت الكبير القبطي الذي اعترف بالخطف.
الأمن حاصر القرية وأغرقها بوابل من القنابل المسيلة للدموع. وعندما سيطر على الوضع، فوجئ باتصال هاتفي من عائلة زوج المخطوفة، والمتّصل لم يكن سوى الزوجة نفسها تخبر زوجها بأنها ملقاة في الطريق في ضاحية المعادي في القاهرة، بعدما استفاقت من مفعول مخدّر.
هنا شعر المسلمون بالانتصار، وتحدّى ٢٠ ألفاً منهم حظر التجول وتجمّعوا في وسط القرية ليحتفلوا بالانتصار، وهو ما استفزّ بعض المسيحيّين من جديد فألقوا الحجارة وقنابل الغاز التي كادت تعيد الحرب. استعاد الأمن حسب هذه الرواية السيطرة بعدما ألقي القبض على ٢٠ شخصاً من الطرفين.
في هذا الوقت، يستمر الاحتقان في دير أبو فانا حيث يواصل ٧٥ كاهناً وراهباً و٦٠ من شباب الأقباط اعتصامهم داخل الدير احتجاجاً على قرارات اللجنة الرسمية لرسم الحدود بين الدير والأراضي المحيطة به. قرارات دفعت ببطريرك الكرازة المرقسية والقائد الروحي للأقباط شنودة إلى أن يقرّر، من أميركا حيث يتلقى العلاج، بأن يقاطع اجتماعات محافظ المنيا ووقف التفاوض بشأن النزاع حول الأرض بين الدير والبدو المسلمين.
أطباء البابا رفضوا عودته وحذّروا من قطع رحلة العلاج، وهو ما يبشّر باستمرار التوتّر في الأوساط القبطية التي تعتبر أنّ غياب البابا قد يعرض الأقباط إلى مزيد من ضياع الحقوق. وكان لافتاً أنّ المسيحيّين الذين حوصروا في «فتنة الفيوم»، أرسلوا إلى قيادات مسيحيّة، في مقدّمها شنودة، رسائل هاتفية قصيرة، يستغيثون ويطالبون بعودته.
إنها أخطر إشارات الفتنة. فالاستغاثة تعني اللجوء إلى القيادة الدينية وفقدان الأمل في ممثلي الدولة، وخصوصاً أن هناك رواية أخرى عن فتنة الفيوم منتشرة في أوساط مسيحية وعلمانية وهي أنّ الفتاة لم تُخطَف، لكنها أرادت العودة إلى المسيحيّة وأهلها، لكن الزوج قاد تظاهرة مسلمة بعد صلاة الجمعة لإعادة الزوجة إليه... وإلى الإسلام.
في كلا الفتنتين، علت نبرة الاحتماء بالبابا، بينما اكتفت الدولة بالسيطرة الأمنية. هذا هو الخطر الذي قد يشتعل في أي لحظة، انطلاقاً من خلاف شخصي بسيط. صحيح أنه لا يُتوقع أن تكون فتنة شاملة مع قدرة الأمن على السيطرة، لكنها يمكن أن تكون مثل كرات اللهب التي تظل مشتعلة في أماكن متفرقة وتضع البلد كله على سطح صفيح ساخن.