strong>رغم أنّ البرلمان العراقي لم يقرّ حتى الآن قانوناً لانتخابات المحافظات المقرَّرة في تشرين الأول المقبل، وفي ظلّ احتمالات تأخير موعدها أو عدم حصولها في الأساس، وصل عدد الأحزاب والتجمّعات السياسية المشاركة فيها إلى أكثر من 500 في عموم بلاد الرافدين، 300 منهم في محافظة بغداد وحدها! كيف تولد هذه الأحزاب ومن تمثّل؟
بغداد ــ زيد الزبيدي
ليس معروفاً بعد كيف يتمّ تسجيل الكيانات السياسية والترشيحات الفردية لدى اللجنة الانتخابية في العراق ما بعد الاحتلال، طالما أنّه لا وجود لقانون يحدّد على الأقل أهلية الترشيح وشروطه، ويرسم صلاحيات اللجنة. يضاف إلى هذه المعضلة تساؤل عن حقيقة تلك الكيانات «الخرافية»، ومصادر تمويل دعايتها الانتخابية، التي وصلت أحياناً لحدّ امتلاك فضائيات تلفزيونية وممتلكات هائلة، خارجة عن أي رقابة ضرائبية.
التساؤل مشروع عن «منبع» طفرة التنظميات، حيث يعلم الجميع أن إصدار صحيفة، ولو متواضعة من عدة وريقات، مستحيل من دون دعم حكومي أو أميركي أو إقليمي أو مزدوج، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بتأسيس كيان سياسي بكل متطلباته، بما فيها الحراسة، والسعي إلى خوض انتخابات تتطلب وجود مقارّ وكوادر نشطة ودعاية تكلّف مبالغ ضخمة؟
والأحزاب العراقية الكبيرة الموجودة على الساحة حالياً تعطي مثالاً لـ«تضخّم» الثروة الحزبية، حيث كانت خزينة «الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة جلال الطالباني، مثلاً، وهو الذي تأسس عام 1975، وتولى الحكم في المنطقة الكردية منذ عام 1991، شبه خالية عند الغزو عام 2003، إلا أنّه أصبح الآن من أغنى الأحزاب، إلى جانب الحزب الديموقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني، وعدد من الأحزاب الدينية والطائفية.
ويشهد أحد معاصري الحقبة، في حديث مع «الأخبار»، أن الطالباني طلب عام 2003، عقب الغزو، من مستشاره العسكري الحالي ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، وفيق السامرائي، مفاتحة «الإخوة في الكويت» لتزويد حزبه بمطبعة «حتى ولو مستعملة». وأضحت إمكانات جهازه الإعلامي الآن تفوق ما هو موجود في الكويت. وقد وصلت ثروة حزبه درجة أنه مارس «تغذية» إنشاء بعض الكيانات السياسية، ومنها التي تنادي بالقومية العربية!
وبالعودة إلى تفسيرات تكاثر التنظميات الانتخابية، يشير المتابعون إلى دور الكتل السياسية القديمة في إنشاء الجديدة منها؛ ففي إقليم كردستان مثلاً، وعلى الرغم من كون محافظات الإقليم غير مشمولة في الانتخابات المقبلة، إلا أن الأحزاب الكردية الرئيسية لها قوائمها في المحافظات الأخرى التي يعيش فيها مواطنون أكراد، مثل بغداد والموصل وكركوك. كما تدعم المجموعات السياسية القريبة من توجّهاتها، أو على الأقل «التوسّط» لحصولها على المزيد من الدعم.
كما أن الأحزاب والتنظيمات المهيمنة حالياً على الحياة السياسية، وبعدما تقلّصت شعبيتها وأثبتت فشلها من خلال أدائها السياسي، لجأت إلى إنشاء أحزاب وكيانات قدّمتها على أنها «مستقلة»، لتضليل الرأي العام، وللحصول على «غنائم» من الدعم وفق برنامج «دعم الديموقراطية» الأميركي الذي يقدّم المساعدات إلى الأحزاب الوليدة.
واللافت في الأحزاب الجديدة تركيزها على مناهضة الطائفية، بعدما عانى العراقيون ما عانوه من اقتتال وسرقات وفساد في أجهزة الدولة جرّاء الحسابات الطائفية.
ويشير مراقبون إلى أن تشتت الأصوات والمقاعد في الانتخابات المقبلة على عدد كبير من التنظيمات، سيسهّل على الأطراف الخارجية والداخلية ذات المصلحة، احتواء الفائزين وتنمية كتل جديدة أو إبعاد كتل قديمة بحسب الحاجة.
كما أن توزّع الأصوات على عدد كبير من الخاسرين، سيؤدي في جميع الأحوال إلى إيصال ممثلين من دون غطاء شعبي واسع إلى مراكز السلطة في المحافظات، مما يضعف موقفهم أكثر فأكثر تجاه الاحتلال ومراكز القوة في الدولة.
وتؤكد مراجعة نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة، الفرضية الأخيرة، بحيث فشلت 39 قائمة في الحصول على أي مقعد انتخابي، فيما بلغ مجموع الأصوات التي حصلت عليها تلك القوائم نحو 370000 صوت.
وهناك قوائم أخرى حصلت على عدد ضئيل جداً من الأصوات، مثل حزب «المسار الوطني الموحد» برئاسة محسن نايف الجربا، الذي حصد 498 صوتاً في 18 محافظة، أي ما مجموعه 27 صوتاً فقط في كل محافظة.