بول الأشقرسلك الخلاف بين الرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي والقضاء منحىً جديداً وخطيراً «تجمّعت فيه كل عناصر الأزمة المؤسساتية»، بحسب جريدة «ألتيمبو»، بعدما قرر الرئيس تحكيم الشعب بينهما بواسطة استفتاء على ضرورة إعادة إجراء انتخابات عام 2006، التي كان قد فاز بها بسهولة.
وبعدما حكم مجلس القضاء الأعلى يوم الخميس الماضي ضدّ نائبة صوّتت لمصلحة تعديل الدستور عام 2004، في مقابل تلقّيها رشى وظيفية من معاوني أوريبي، قرّر الأخير توظيف شعبيته الكبيرة للردّ في السياسة على القرار القضائي، ما ينذر بصراع مكشوف وشرس بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
وما إن صدر قرار المحكمة، حتى أطلّ أوريبي على المواطنين منتصف ليل الخميس ــ الجمعة، لإبلاغهم بأنّ الفصل بينه وبين القضاء سيعود إليهم في استفتاء شعبي للبتّ بإعادة تنظيم انتخابات عام 2006.
وبدأ هذا الفصل المثير للخلاف بين القضاء والرئيس عندما أطلت النائبة السابقة ييدا ميدينا قبل شهرين لتعترف بأنها غيّرت موقفها المعارض لتعديل الدستور قبل سنوات بعدما وعدها أوريبي ومعاونوه بمواقع إدارية. وأشارت ميدينا إلى أنّها حصلت على البعض من هذه المواقع التفضيلية، لكنها قرّرت فضح الصفقة لأن السلطة لم تفِ بتنفيذ باقي الاتفاق.
وكان تصويت النائبة ميدينا حاسماً (بفارق صوت واحد) لفتح المجال أمام مشروع القانون الذي اقترح آنذاك تعديل الدستور والسماح بإعادة انتخاب أوريبي لولاية ثانية. واعتراف ميدينا بالأسماء والوقائع لما حصل، لم يترك مجالاً أمام مجلس القضاء الأعلى إلا التحرك التلقائي واعتقالها، وأصدر بحقها حكماً بالسجن لمدة 47 شهراً، إضافةً إلى مقاضاة معاوني الرئيس، ومن بينهم وزير حالي ووزير سابق، وإحالة مفاعيل القضية إلى المجلس الدستوري.
وقرّر أوريبي «شراء» هذه المعركة مع القضاء، لأن الحكم «ينخر أسس شرعية استمرار ولايته»، فيما يرى مراقبون أنّ قراره بالردّ سياسياً هو مناورة متقنة تنوي تقصير المسافة أمام ترشّحه لولاية ثالثة.
ويعود الخلاف بين أوريبي والقضاء إلى مفاعيل الاتفاق بين الحكومة والميليشيات العسكرية التي قرّرت تسليم سلاحها والتعاون مع القضاء وتعويض ضحاياها، في مقابل عفو جزئي وعدم تسليم قياداتها للقضاء الأميركي. وأوصلت التحقيقات إلى مقاضاة 65 نائباً وشيخاً لتورّطهم مع هذه الميليشيات، وإلى اعتقال 35 منهم، هم في أكثريتهم الساحقة من حلفاء أوريبي.
واتّهم أوريبي مجلس القضاء الأعلى بـ«التسييس» والعمل «لمصلحة أجندة الإرهاب» أي الـ«فارك». وقبل شهرين، سلّم الرئيس 14 من زعماء الميليشيات إلى الولايات المتحدة ما أربك التحقيقات التي كان يقوم بها مجلس القضاء الأعلى. وأمام اعتراض الأخير، اتّهم أوريبي مجلس القضاء بـ«العمل لمصلحة الباراميليتاريس وشبكات تهريب المخدرات».
وتجري هذه التطورات الأخيرة فيما الكونغرس غارق بأزمة شرعية غير مسبوقة في تاريخ كولومبيا، وفيما أنصار أوريبي يجمعون التواقيع الضرورية للطلب من الكونغرس فتح المجال أمام ولاية ثالثة للرئيس. وحتى اللحظة، لم يتبنَّ أوريبي هذه المبادرة ولكنه لم يمنعها أيضاً. على أيّ حال، لأورويبي الشعبية الكافية للبقاء رئيساً مدى الحياة إذا شاء، ولكن أزمة شرعية الكونغرس وطموحات بعض معاونيه الرئاسية، إضافة إلى القرار القضائي الأخير الذي شكك في شرعية التعديل الأول، كلها عناصر قد تعقّد عملية التعديل هذه المرة.
وتأتي مناورة أوريبي (الاستفتاء) في هذا الجوّ العام لتسأل الشعب عن رأيه في إعادة انتخابات عام 2006 لكن خلال عام 2009، أي قبل عام واحد من موعد انتخابات عام 2010.
كلمة الفصل ستعود إلى المجلس الدستوري الذي يرجَّح أن يأخذ علماً بالمخالفات التي حصلت، من دون الطعن بشرعية الاقتراع. ولكن تسرُّع أوريبي في التصدي لقرار مجلس القضاء الأعلى يوحي أنه لن يقبل بهذه التسوية.
أيّاً يكن، فمنذ «خطاب الاستفتاء»، ارتبكت الأسواق المالية واستعر النقاش القضائي ــ السياسي بعد رفض المعارضة بشقيها الليبرالي واليساري «افتعال صراع غير مبرر بين السلطات».
وشرح القانوني اليساري ورئيس «القطب الديموقراطي البديل» كارلوس غافيريا، وهو كان خصم أوريبي في الانتخابات الأخيرة، بأن الرئيس «أخذ منحى الديكتاتورية الشعبوية إذ صار يلجأ إلى الشعب كما تلجأ الديكتاتوريات عادة إلى العسكر».