بول الأشقرتتّجه أنظار أميركا الجنوبية إلى بوليفيا، حيث يجري غداً في محافظة سانتا كروز، استفتاء حول الحكم الذاتي غير محسوب النتائج، لأنه قد يشكل الشرارة التي تؤدي إلى صدامات عنيفة، وربما إلى تمزُّق البلد الوحيد في أميركا الجنوبية، حيث الهنود يمثلّون الأكثرية المطلقة من السكان. وكان من المتوقّع أن يصدر مساء أمس، بيان من منظمة الدول الأميركية بهذا الصدد، بعدما أرسلت هذه الأخيرة بعثة، يتقدمها وزير خارجية الأرجنتين السابق، دانتي كابوتو، إلى بوليفيا للمرة الثالثة في أقل من شهر، محاولة عبثاً حتى الآن جمع الحكومة بمعارضيها المناطقيين.
ويأمل كابوتو أن ينجح بالتعاون مع الكنيسة في جرّ المعارضة إلى المشاركة في هذا الحوار بعد الاستفتاء الذي تُصّرّ الأخيرة على تنظيمه لتحويله إلى ورقة ضغط في المفاوضات المقبلة.
ويُمثّل الاستفتاء حول الحكم الذاتي ملخّصاً لمشاكل تاريخية تعاني منها بوليفيا منذ عقود طويلة، اختلطت بنجاح المعارضة المناطقية في استعادة المبادرة السياسية إثر تعثر الحكومات الإدارية المتتالية في معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعمقت مع الكوارث الطبيعية التي لم توفّر بوليفيا خلال الفترة الأخيرة. ويخشى أن يشكل الاستفتاء ــــ ونتيجته محسومة لمصلحة الحكم الذاتي ــــ فاتحة لاستفتاءات متتالية في المنطقة الساحلية الشرقية، حيث يتراكم القسم الأكبر من الناتج القومي، تهدف إلى تفريغ سلطة الحكومة المتمركزة في مدينة لاباز الجبلية الغربية الموالية، الشامخة على علو أكثر من أربعة آلاف متر.
وترى الحكومة من جهتها، أن استفتاء يوم غد، هو محاولة «انفصالية غير شرعية، وفي أحسن الأحوال استطلاع رأي لا أكثر» لأن الدستور الحالي لا يخوّل السلطات المحلية الدعوة إلى استفتاءات في ما يضمن هذا الحق «شرط ألا يتعارض مع وحدة البلد».
ويرى الموالون من جهتهم أن المجموعة السياسية الاجتماعية التي خسرت السيطرة على البلاد مع انتخاب أول رئيس هندي، إيفو موراليس، في تاريخ بوليفيا تحاول الآن «تخريب البلد من خلال التحكم بمناطقه الغنية». ويتساءل هؤلاء، الذين يرون في الاستفتاء اليد الطولى لسفارة الولايات المتحدة، «وإلا لماذا لم يعطوا الحكم الذاتي الذي يطالبون به اليوم خلال القرون الطويلة عندما كانوا يعتقدون أنهم في السلطة إلى الأبد؟».
والسؤال هنا، هل يؤدي الخلاف بين الحكومة والمعارضة، أو الشرق والغرب كما يقال، الذي هو أساساً صراع على كيفية توزيع موارد المنطقة الشرقية، التي أصبحت الأغنى منذ عقد بصادراتها الزراعية وبحقول الغاز الموجودة فيها، إلى الحرب والتمزق؟ ليس بالضرورة. صحيح إنه يجسّد ردة فعل المتضررين من مشروع «إعادة تأسيس بوليفيا» الذي أوصل موراليس إلى السلطة وارتقاء معارضتهم إلى مشروع مضاد لتغيير هيكلية البلاد، والتي لم تعد تناسبهم. ولكنه لن يتحول بالضرورة إلى صراع عسكري مفتوح، لأن تدخُّل الجيش ضد «الانفصاليين» ليس مضموناً وقد يتفسّخ إذا أُجبر على ذلك.