الائتلاف الحاكم في العراق لم ينجُ من لوثة الانقسامات التي تضرب الحياة السياسيّة في بلاد الرافدين. فحتّى التحالف بين حزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي، الذي حال دون الإعلان الرسمي عن موت «الائتلاف العراقي الموحّد»، بات قاب قوسين من الانفراط... ودائماً إيران حاضرة
بغداد ــ زيد الزبيدي

عمليّاً، لم يبقَ من «الائتلاف العراقي الموحَّد»، إلّا «المجلس الأعلى الإسلامي»، والبعض من حزب «الدعوة»، إضافة إلى مجموعات صغيرة، تميل هي الأخرى إلى الاستقلاليّة، فيما يشكّل تنظيما «بدر» و«شهيد المحراب» جناحين ضمن «المجلس الأعلى».
وعلى الرغم من أنّ الائتلاف هو الذي منح نوري المالكي منصب رئيس الوزراء، إلا أنّ الأخير أصبح «متفرّداً في اتخاذ القرار»، حتى بالنسبة لحزبه الذي انشقّ جزء كبير منه عليه.
ويبدو المجلس الأعلى اليوم، في تناقض محيّر: هو مشارك بقلق باتجاه مزيد من الضربات لخصومه الصدريّين، وفي الوقت نفسه، يبذل جهده لإبعاد نفسه عن تهم التبعيّة لإيران، ويلقي هذه التهم على التيار الصدري حصراً، و«جيش المهدي» تحديداً. غير أنه يرفض «كيل الاتهامات لإيران»، وإن كان على استحياء، لأن المعروف على كل الصعد، أنّ إيران هي الحاضنة لتيار المجلس الأعلى، والداعمة له في حماسته للعملية السياسية التي ترعاها الولايات المتحدة.
ويرى متخصّصون في الشأن العراقي أنّ «المجلس الأعلى» كان منذ تأسيسه في إيران، إبّان الحرب العراقية ــــ الإيرانية، هو الأقرب إلى القيادات الإيرانية من حزب «الدعوة»، الذي تأسّس في العراق، ولم يكن يحظى بالدعم المطلوب أثناء وجود كوادره في إيران.
ومع الحملة الواسعة ضدّ التيار الصدري، وجد المجلس الأعلى نفسه شريكاً فعلياً في هذه الحملة، إلا أنّه يتوجّس بشدّة من هذه المشاركة، التي استندت إلى أساس التمويل والتسليح الإيراني للميليشيات، لأنّ هذه المعايير تنطبق على المجلس الأعلى، بالدرجة الأولى، الذي تغلغلت ميليشياته المدربة في إيران بالأجهزة الأمنية، وفي قياداتها، ما يؤشر إلى أنّ الدائرة ستدور عليه عاجلاً أم آجلاً.
ولا يخفى على أحد أنّ «الائتلاف العراقي»، بشكل عام، تشكّل بتنسيق إيراني، وأنّه خاض الانتخابات بتمويل إيراني ضخم، وبميليشيات مدعومة من إيران، إضافة إلى ما تمّ الكشف عنه من دخول شاحنات تحمل استمارات انتخابية من إيران إلى العراق... ولكن نسبة الولاءات تختلف من جهة إلى أخرى. وهذا ما أشار إليه المتحدث باسم السيد مقتدى الصدر، الشيخ صلاح العبيدي، عندما كشف أنّ الوفد النيابي الذي توجه إلى إيران أخيراً، ضمّ علي الأديب، الإيراني الجنسيّة، ورئيس منظّمة بدر، هادي العامري الذي يحمل رتبة «جنرال في الجيش الإيراني».
وممّا يؤشر إلى تعاظم الفراق بين المجلس وحزب الدعوة، إعلان الأخير أنّه ينوي خوض الانتخابات المقبلة لمجالس المحافظات في تشرين الأوّل المقبل بقائمة منفردة، إضافة إلى الاتهام المفتوح لإيران بدعم الميليشيات، وكذلك البدء بحملة «لتنقية الأجهزة الأمنية» من العناصر «غير الكفوءة»، والتي احتلت مواقع متقدمة بموجب شهادات دراسية مزوّرة، حيث أعدّت وزارة الداخلية آلية جديدة للتدقيق في ملفّات منتسبيها من الضباط والمراتب، بغية تحديد الذين لا يحملون مؤهلات الانتساب إلى الوزارة.
وأوضح مصدر في وزارة الداخلية، التي يسيطر المجلس الأعلى على مفاصلها، أنّ هذه الآلية «تتضمّن إثبات كل منتسب في وزارة الداخلية شرعيّة انتسابه لوزارة الداخلية خلال 15 يوماً، وإذا ثبت العكس، يتمّ تجريد أي منتسب أو ضابط من رتبته»، مذكراً بأنّ «الفترة الماضية شهدت سحب الرتب من 900 ضابط في هذه الوزارة بعد فشلهم في إثبات الوثائق التي تؤيّد تخرّجهم من كليات الشرطة أو الكليات المدنية الشرعيّة الأخرى».
كما كشف عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب النائب عن حزب الفضيلة عمار طعمة عن «وجود 66 ألف وظيفة وهمية في وزارتي الداخلية والدفاع، تم اكتشافها لدى مراجعة ملفات التعيين خلال السنوات الماضية».
وقال طعمة إنّ «الكشف عن هذه الوظائف الوهمية هو دليل على الاختراق الكبير الموجود داخل الأجهزة الأمنية بسبب طريقة التعيين في هذه الأجهزة القائمة على المحاصصة الحزبية والطائفية، فضلاً عن الفساد الإداري والمالي الذي تغطّيه العديد من الجهات السياسية الموجودة عناصرها في الأجهزة الأمنية» في إشارة ضمنيّة إلى المجلس الأعلى على وجه التحديد.
يُذكر أن وزارتي الدفاع والداخلية أقرّتا في أكثر من مناسبة وجود فساد إداري ومالي في مؤسّساتهما، وعزتا أسبابه إلى «السرعة في تعيين المنتسبين في الوزارتين عقب سقوط النظام السابق، وإلى الصراعات السياسية التي تعرقل إصدار قوانين رقابية تحدّ من ظواهر الفساد».
وفي سياق توتّر العلاقة بين «الدعوة» والحليف الإيراني، اتّهم عضو الشورى المركزية لحزب الدعوة الإسلامية، فؤاد الدوركي، إيران بالتدخل بشكل كبير في العراق، وكشف عن أنّ حزبه يميل إلى دخول انتخابات مجالس المحافظات المقبلة بقائمة مستقلّة.
وقال الدوركي، في تصريح صحافي، «إيران تدعم وتدرب وتسلّح المقاتلين الخارجين على القانون»، موضحاً أنّ «أكداساً من الأعتدة والأسلحة الإيرانية الصنع قد ضبطت في البصرة ومدن عراقية أخرى».
وأشار الدوركي إلى أنّ التحقيقات التي أجرتها الحكومة في البصرة خلال عملية «صولة الفرسان»، كشفت عن «تورّط ثماني دول بدعم الجماعات الخارجة على القانون»، لكنه لم يحدّد هذه الدول.
وبشأن موقف حكومة بغداد من التدخل الخارجي في شؤون العراق، قال القيادي في حزب الدعوة إنّ «الحكومة تحاول الإبقاء على شعرة معاوية مع تلك الدول، لعلها تتراجع عن دعمها للجماعات المسلحة»، لافتاً إلى أنّ «الحكومة بعثت برسائل عديدة إلى تلك الدول، وخاصة إيران، لكشف حجم تدخلاتها في الشأن العراقي، كان آخرها الوفد الذي أرسلته قائمة الائتلاف العراقي الموحد إلى
طهران».