strong>بول الأشقر
مع إجراء الاستفتاء على الحكم الذاتي في محافظة سانتا كروز، دخلت بوليفيا منطقة جميع الأخطار، فيما يُتوقَّع تصاعد العنف في الأيام المقبلة بين الوحدويين والاتحاديين.
ورغم تأييد منظمة الدول الأميركية «مركيسور»، في بيان لها أول من أمس، حكومة إيفو موراليس «الشرعية ووحدة أراضي بوليفيا ودولة القانون ومؤسساتها»، إلا أنها تحاشت انتقاد الاستفتاء الذي يقوم به حاكم محافظة سانتا كروز الغنية لإقرار الحكم الذاتي، مبررةً ذلك بضرورة إشرافها على الحوار الذي تنوي الشروع به بين الحكومة المركزية والمناطق التي تطالب بحكمها الذاتي.
في هذه الاجواء، يُخشى أن يتأخر مجدداً الحوار الذي رفضته سانتا كروز قبل الاستفتاء، حوالى أربعين يوماً، ريثما تنتهي المحافظات الشرقية الأخرى من استفتاءاتها لتفرض على الحكومة نوعاً من الأمر الواقع، فيما رأى الجيش والمحكمة الانتخابية العليا أن الاستفتاء «غير شرعي».
ويطالب الاستفتاء بإقرار «دستور» للمحافظة يعيد تنظيم علاقاتها بالسلطة المركزية ويعطيها حق النقض والحسم في مسائل مثل الضرائب والإصلاح الزراعي.
في المقابل، تريد الحكومة المركزية بدايةً إقرار الدستور الجديد الذي يتضمَّن نوعاً من اللامركزية، فيما يُتوقع حصول مؤيّدي الاستفتاء «الخضر والبيض» على ثمانين في المئة من الأصوات وربما أكثر.
ويبدو واضحاً أن الدولة غير قادرة على التعايش مع هذا النوع من الحكم الذاتي الذي سيمتد في الأسابيع المقبلة إلى المحافظات الشرقية الأخرى الملقبة بـ«بوليفيا نصف القمر»، التي تُمثّل حوالى 65 في المئة من الناتج المحلّي، فضلاً عن أنه كفيل بتعطيل كل سياسات الدولة العامة ومشاريعها لإعادة توزيع الثروة في بوليفيا «لمصلحة الأكثريات».
وتمثّل الحركة «الشرقية» في بوليفيا، وخصوصاً في سانتا كروز، حصيلة مسار طويل حوّل المقاطعة من منطقة خالية من السكان ومن الموارد لغاية الخمسينيات إلى قطّارة الاقتصاد البوليفي وإلى مركز سكانيّ أساسي، حيث صار يعيش اليوم في المحافظة حوالى ربع سكان البلاد، وينتجون حوالى ثلاثين في المئة من الناتج القومي.
وترى نخبة سانتا كروز الاقتصادية، المؤلّفة من مهاجرين أتوا من أوروبا الشرقية وأحياناً من المشرق العربي، أنه لم يتسنّ لها يوماً حكم بوليفيا، إذ كانت السلطة تعود من قبلُ إلى النخب الإسبانية الأصل «الغربية» قبل أن تتحول الغلبة في الانتخابات الأخيرة إلى الأكثرية الهندية.
وترسّخت هوية «شرق بوليفيا» حول الانتعاش الاقتصادي الممزوج بالتهميش السياسي، ما يجعلها اليوم تتبجَّح بأنها «نقيضة للغرب الجبلي وقيمه وعاداته». ونجحت الحركة «الشرقية» في المزج بين مصالح نُخَبها ومطالب سكان المحافظة بتصوير نفسها معقلاً أخيراً للحفاظ على الاقتصاد الحرُّ والتصدِّي للمشروع «الهندي الشيوعي الاستبدادي».
وفي الحقيقة، تعيش في المنطقة التي نمت بالهجرات المتتالية أقلّية هندية معارضة للاستفتاء ولصيغة الحكم الذاتي المقترحة، لكن لم يرتفع صوتها خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الاستفتاء خوفاً من الاعتداءات. بيد أنها، خرجت إلى الشوارع أول من أمس، مستقوية بانتشار الصحافة العالمية.
ويمثّل هذا الاستفتاء، امتحاناً كبيراً لقابلية بوليفيا على الاستمرار موحّدة لأنه يضع وجهاً لوجه عالمين ومشروعين صار لكل واحد منهما نصّه المرجعي ـــــ الدستور الجديد لأنصار إيفو موراليس ودستور المقاطعة للمعارضة المناطقية،
ويُخشى أن تقع أحداث عنفية خلال الأيام المقبلة، قد يتخلّلها احتلال مبان ومرافق عامة في نوع من الكباش بين «الوحدويين» و«الاتحاديين». أمام ذلك، يصعب تصور الآتي وأيضاً تدّخل الجيش المهدد بالانفراط في هذه الحال.