العراق: أزمة ازدحام وارتفاع أسعار النقل... والسبب الاحتلال
بغداد ــ زيد الزبيديوبحسب سكّان بغداد، فإنّ مدينتهم تتمتّع بأفضل شبكة مواصلات في المنطقة كلّها، من خلال الطرق السريعة التي تربط كلّ أنحاء العاصمة، من دون تقاطعات تقريباً، إضافةً إلى الأنفاق والجسور، التي تربط قلب المدينة بالطرق السريعة والمناطق المختلفة، والتي أُغلقت بـ«المنطقة الخضراء».
أمّا اليوم، فرغم أن الكثير من البغداديّين غادروا عاصمتهم، وبالتالي انخفض عدد السكّان والمارّة، فهي تعاني مشاكل مستفحلة في النقل البرّي. ويجمع البغداديّون على أن لا حلّ لهذه الأزمة ما دامت ترتبط بأزمات أخرى، منها الغلاء وشحّ الوقود في بلد النفط، وقلّة الوعي، والعنف الطائفي، وغياب الأخلاق...
ويقول خالد جابر، الذي يعمل سائق أجرة منذ تخرجه من كلية الإدراة والاقتصاد، «ما أحصل عليه من عملي يسدّ بالكاد متطلبات المعيشة لعائلتي الصغيرة، حيث يذهب القسم الأكبر من حصيلة عملي لإيجار الشقّة المتواضعة وصيانة السيارة وشراء البنزين للسيارة وللمولّد الكهربائي المنزلي».
ويضطرّ خالد إلى فرض أجور نقل مرتفعة لتعويض خساراته وسدّ متطلبات معيشته. وهو يشير إلى وجود عوامل أخرى تتحكم في رفع السعر، «منها المرور في الطرق المزدحمة وعبور الجسور من جانب الكرخ إلى الرصافة وبالعكس، ودخول مناطق خطيرة أو محظورة لأسباب طائفية».
وتراوح تعرفة الأجرة في كلّ تلك الحالات ما بين 4 دولارات و12 دولاراً تقريباً، وهو مبلغ كان يحصل عليه سائق سيارة الأجرة خلال يوم كامل قبل الاحتلال، لكنّه لم يكن ينفق منه شيئاً يذكر لشراء الوقود الذي كان شبه مجّانيّ، إضافةً إلى أنّ أسعار السلع كانت متواضعة جداً، كما كان باستطاعة السائق أن يعمل في كل مكان وفي أي وقت يشاء، من دون أن يتعرّض لخطر الموت.
ويلفت خالد إلى أنّ أغلب السائقين يعمدون إلى التجوال في منطقة واحدة لتجنّب التعرض للمواقف الصعبة. وفي هذه الأحوال تراوح الأجور ما بين 1.25 و2.50 دولاراً، وتقلّ فرص الحصول على ركّاب بسبب كثرة انتشار سيّارات الأجرة، واستخدام المواطنين لسيارات النقل الخاص.
ويبرّر فاضل صاحب، وهو أيضاً سائق سيارة أجرة ارتفاع الأجور بغلاء الوقود، «فأنا أملأ خزان السيارة من محطة التعبئة في اليوم المخصّص للسيارات ذات الأرقام الفردية بسعر 400 دينار للّيتر الواحد من البنزين، الذي كان يباع سابقا بـ20 ديناراً، وكانت قيمة الدولار أكثر من ضعف ما هي عليه الآن».
ويؤكّد فاضل أنّه عندما تقع أزمة في توزيع الوقود، وهي حالات غالباً ما تحصل، فهو يضطر إلى قضاء يوم كامل في المحطة ويعمل في اليوم التالي. أمّا إذا فاته الحصول على البنزين «الرسمي»، فيضطرّ إلى شرائه من السوق، بسعر يصل إلى دولار للّيتر تقريباً.
ومع اشتداد ظاهرة العنف الطائفي، برزت ظاهرة أخرى، هي صعوبة انتقال المواطنين من منطقة سنيّة إلى أخرى شيعية، وبالعكس، بسيارات الأجرة. فالسائق السني لا يجازف مطلقاً بدخول منطقة شيعية، والحالة ذاتها بالنسبة إلى السائق الشيعي. وهنا يضطرّ البعض إلى ركوب أكثر من سيارة، للانتقال إلى مناطق محايدة، ثم التوجه إلى المنطقة المقصودة.
وفي السياق، تبدو شهادة الموظّفة أمّ سيف معبّرة عن الواقع الطائفي المأساوي الذي ينعكس على خريطة سيّارات الأجرة. وتقول «اعتدت التبضّع من أسواق الكاظمية، ولأنني أسكن في منطقة العامرية ذات الغالبية السنية، فقد كنت أذهب إلى كاراج البياع أو العلاوي، لأستقلّ سيارات الكاظمية، وعند عودتي محمّلة بالمشتريات، لم أكن أجازف باستئجار سيارة أجرة إلى منطقتي مباشرة، بل أتوجّه إلى ساحة النسور أو ساحة اللقاء المحايدتين ثم أركب سيارة أجرة أخرى يكون سائقها سنيّاً ليوصلني إلى العامرية، فالسائق الشيعي يرفض الذهاب».
علي جواد سائق سيارة أجرة أيضاً، ويعلّق على معاناته اليوميّة بالإشارة إلى أنّ الخوف يطارده وزملاءه في شوارع العاصمة، «والحذر يلازمنا ونحن نجول في مناطقنا فقط، وإذا خرجنا منها فإلى مناطق مأهولة بالسكّان وقريبة ويسكنها أبناء طائفتنا أو خليط من الطائفتين».
لكنّه يعود ويؤكّد أنّ حالته أفضل حالياً، «فأنا من منطقة الوشاش ذات الغالبية الشيعية ولم أعد أجد ضيراً في دخول المناطق السنية، لكنّني ما زلت أتوخّى الحذر من دخول الأزقّة واتفق مع الراكب مسبّقاً على نزوله في الشوارع الرئيسية أو قرب سيطرات الحرس لضمان عودتي سالماً».
غير أنّ تفاؤل علي لا يشاركه إيّاه السائق عدنان طلال. فالأخير يرى أنّ الخوف يسيطر على سائقي سيارات الأجرة، وخصوصاً عند مرورهم عبر نقاط السيطرة، «فقد كانت وما زالت إلى حدّ ما بعض هذه النقاط وهمية وأعضاء الميليشيات توغّلوا فيها بشكل كبير، ليمارسوا القتل على الهوية وتأجيج العنف الطائفي».
أمّا السائق شهاب سرحان فيقول بدوره «نحن لا نسير في الشوارع بل نزحف، فالأرتال العسكرية تحيط بنا من كل جانب وتقيّد حركتنا والجدران العازلة بين المناطق تضيّق علينا الخناق وتغلق الشوارع، إضافةً إلى مضايقات سيطرات الحرس الوطني والشرطة التي تطلق علينا الرصاص أو تخلع لوحات الأرقام إذا ما بدرت منا أيّ مخالفة غير مقصودة، عدا ما ينشره الأميركيّون من رعب في الشوارع، فهم يدوسون أو يصدمون أيّ مركبة تعترض مسيرهم، أو تتجاوز حدودها في الشارع».
وحتى يجري إيجاد حلول واقعية لأزمة النقل والازدحام والخطوط الحمراء الطائفيّة التي تقسّم شوارع عاصمة العبّاسيّين، تتشابك أصوات الأرتال العسكرية بزعيق أبواق السيارات ورصاص الحرس الوطني وتزحف السيارات في شوارع بغداد زحفاً، بينما يرزح الركاب تحت رحمة الازدحام وغلاء أجور النقل والخوف... وأشياء أخرى.