وسط جيوش مدجَّجة حتى النخاع بأحدث أنواع الأسلحة، يقف الجيش العراقي «الجديد» متّكئاً على أسلحته البسيطة التي زوّده بها الاميركيّون، وهي في معظمها «خردة» لا تتناسب وتاريخ هذا الجيش العريق، ولا المهام المناطة به
بغداد ــ زيد الزبيدي

جيش من دون طائرات مقاتلة ومدفعية ميدان وصواريخ ودبابات حديثة. هذا هو حال الجيش العراقي في الوقت الحاضر، وربما استمرّ لأعوام مقبلة في ضوء ما يبدو أنّه قرار أميركي بعدم تزويده بتلك الأسلحة، على الأقلّ، ما دام هناك وجود كبير لقوات الاحتلال الأميركي.
وبحسب المعلومات المتوافرة عن تسليح الجيش العراقي، فهو يمتلك حالياً 72 دبابة روسية قديمة من طراز «تي 55»، و77 دبابة روسية أحدث من طراز «تي 72»، بينما كان ما يمتلكه قبل الغزو عام 2003 يزيد على 2000 دبابة قتال رئيسية.
وتشير المعلومات إلى أن الجيش العراقي سيحصل على 360 مدرعة روسية من طراز «بي إم بي 1» تعود إلى حقبة السبعينيات، و35 مدرعة من طراز «كاسكافيل» برازيلية الصنع، كما يجري التخطيط لتزويده بـ61 ناقلة من طراز «أم تي إل بي» روسية الصنع، و434 ناقلة روسية من طراز «بي تي إر 80»، و 600 عربة مصفحة بولندية طراز «دي زيك 60»، و440 عربة مصفحة طراز «بانجر» أميركية الصنع.
هذه المعطيات تعني أنّ الجيش العراقي، الذي كان يمتلك قبل الغزو 3300 مدرعة، سيمتلك 1955 آلية من هذه الفئات، وستكون عربات «الهمفي» الأميركية عربة النقل الخفيف الأساسية في الجيش، إذ يجري التخطيط لتزويده بـ 3609 منها، بالإضافة إلى عربات جيب «لاند روفر» بريطانية الصنع. واللافت للنظر غياب سلاحي المدفعية والصواريخ.
كما لا تشير قائمة المشتريات إلى نية الحصول على أنظمة للدفاع الجوي من مدافع وصواريخ مضادة للطائرات، بعدما كان الجيش العراقي يمتلك 1500 بطّارية مدفعية ميدان ثقيلة من مختلف العيارات، بالإضافة إلى 250 راجمة صواريخ، وآلاف الصواريخ الموجهة المضادة للمدرعات والسفن، ولم يبقَ له سوى 1133 مدفع هاون.
وتؤكّد خطة تسليح الجيش العراقي أنّ البنادق الأميركية من طراز «إم 16» و«إم 4» ستحلّ محلّ بنادق الكلاشنيكوف الروسية كسلاح فردي أساسي، وقد زُوِّدت بها بعض وحدات الجيش.
أمّا بناء قوة جوية مقاتلة فإنّه سيستغرق سنوات، حسبما صرّح به قائد القوات الجوية في القوات المتعدّدة الجنسيات روبرت ألارديس، الذي أشار إلى أنّ القوة الجوية العراقية تضمّ حالياً نحو 1200 رجل، ونحو 50 طائرة متخصصة بالنقل والاستطلاع غير المسلح، فيما كانت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي سادس أكبر قوة جوية في العالم، مع امتلاكها أكثر من ألف طائرة.
وبحوزة القوة الجوية العراقية حالياً 11 طائرة من نوع «سي ـ 130 اي»، ثمانٍ منها تستخدم للتدريب، وثلاث طائرات من نوع «سيسنا» مجهّزة بتقنيّة المراقبة الليلية، إضافة إلى 16 طائرة جديدة من نوع «هيوي 2» ومروحيات تسلّمتها من الولايات المتحدة، ومتوقّع أن تتسلم بغداد 20 طائرة قريباً وطائرات مروحية روسية.
ويعتقد خبراء عسكريون أنّ الجيش العراقي، الذي حُلَّ في عام 2003 بقرار من الحاكم الأميركي بول بريمر، يخضع حالياً لخطط إعادة التسليح، ولكنها على ما يبدو خطط تركز على تجهيزه لمهمات حفظ الأمن الداخلي فقط، بعدما كان أكبر قوة ضاربة في المنطقة، ما يعني أن العراق سيبقى حتى إشعار آخر بحاجة إلى وجود القوات الأجنبية على أرضه لحماية حدوده من أي اعتداء خارجي.
ويؤكّد هؤلاء الخبراء أنّ إدارة جورج بوش، وخصوصاً وزارة الدفاع، كانت تعتقد أنها لن تواجه تحدياً أمنيّاً كما تواجهه اليوم القوات الأميركية، لذا أصبح المحتل يبحث عن جيش عراقي قوي بدلاً ممّا خُطِّط له أن يكون «جندرمة»، وهي قوات أعلى من الشرطة، وأقل من الجيش، للقضاء على حركات التمرد الداخلي، ولكن من دون تجهيزه بأسلحة متطورة كالطائرات والمدفعية والصواريخ وغيرها.
ويبرّر بعض القادة العسكريّين الأميركيّين تحفّظهم على تسليح الجيش العراقي بأسلحة متطوّرة لخوفهم من أن تقع في أيدي الجماعات المسلحة، وهو سبب غير منطقي في رأي المحلّلين العسكريّين، لأنّ تلك الجماعات لا يمكن أن تستولي على طائرة أو مدفع ميدان أو دبابة أو صاروخ بعيد المدى وتستخدمها ضدّ القوات العراقية أو الأميركية، لكون المسلحين يستخدمون أسلحة يسهل حملها وإخفاؤها في البيوت والحقول والبساتين، ما يصعب اكتشافها.
وأكّدت العمليات العسكرية المستمرة في بغداد والبصرة وبعض المحافظات الأخرى أنّ كميات الأسلحة المتوسطة والخفيفة الحديثة الصنع التي دخلت إلى البلاد، بالإضافة إلى أطنان المتفجرات المتطورة التي تستخدم في صنع العبوات الناسفة، تعني أنّ حدود العراق، بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الغزو الأميركي، لا تزال مستباحة ولم تستطع القوات الأميركية ولا الجيش العراقي الجديد ضبطها، رغم نشر عشرات المخافر الحدودية.
وتحاول الحكومة العراقية التخلّص تدريجاً من الطوق الأميركي المتمثّل بهيئة «أف أم أس»، وهي وكالة متخصصة بالمشتريات تعمل بإشراف أميركي تتسلّم من ممثلي وزارتي الدفاع والداخلية العراقيّتين قائمة بحاجاتهما من الأسلحة والمعدات والتجهيزات للموافقة عليها تبعاً لأولويات يحدّدها الأميركيون الذين يصرّون على إبقاء المشتريات تحت إشرافهم.
ولم يعد بعض المسؤولين العراقيّين يخفون امتعاضهم من هذا السلوك الأميركي، بل إنّ مصدراً أمنيّاً عراقياً كشف عن أنّ تجهيز الجيش بالأسلحة الثقيلة والمتوسّطة، «غير مسموح به أميركيّاً»، مشيراً إلى أنّ «الشروط التي يضعها الأميركيّون تنص على عدم تسليح الجيش بالصواريخ والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والمراقبة».
وفي السياق، كشف عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، حسن السنيد أن إحدى أبرز نقاط الخلاف بين حكومتَي واشنطن وبغداد هي رفض ملف التسليح العراقي، لافتاً إلى أن العراق يسعى إلى استيراد «أسلحة متطورة» من صربيا ورومانيا للالتفاف على الممانعة الأميركية.
وقال السنيد في هذا الصدد، إنّ «وزارة الدفاع الأميركيّة لا تريد أن يتنامى التسليح العراقي بعيداً عن حساباتها، وهي تريد تسليحاً بسيطاً ومتدرجاً للجيش العراقي، وبالأسعار التي تحدّدها، وهو أمر غير مرغوب فيه عند الساسة في بغداد».


بغداد تناشد دمشق ملاحقة قتلة 13 شرطيّاً عراقيّاً
أعربت الحكومة العراقية أمس عن أملها أن تجري السلطات السورية تحقيقاً في ملابسات مقتل 13 شرطياً عراقياً قالت إنّ مسلّحين مجهولين تسلّلوا من الأراضي السورية وقتلوهم داخل الأراضي العراقية على الحدود بين البلدين الأسبوع الماضي.
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ: «تتوقّع الحكومة العراقية من السلطات السورية إجراء تحقيق لمعرفة هوية رئيس وأعضاء خلية مسلحة قامت بهذا العمل الإرهابي والاعتداء الآثم في منطقة القائم الحدودية من خلال تقديم كل المعلومات عنهم للسلطات العراقية والحدّ من نشاط هذه المجموعات المعادية للشعب العراقي القادمة من الأراضي السورية». ووصف الدباغ الحادث بأنّه «تجاوز خطير وانتهاك لحرمة الدم العراقي»، وأشار إلى أنّ «الجريمة التي قامت بها مجموعة إرهابية قادمة من الأراضي السورية بحقّ 13 عنصراً من عناصر قوات الشرطة العراقية في منطقة القائم الحدودية (500 كلومتر غربي بغداد) تجاوز خطير وانتهاك لحرمة الدم العراقي».
وكانت مصادر أمنيّة في محافظة الأنبار الغربي قد أفادت عن تسلُّل مسلّحين من الأراضي السورية ومهاجمتهم مركز شرطة الرمانة في منطقة القائم المتاخمة للحدود السورية وقتل 13 شرطياً عراقياً.
(يو بي آي)