هل يمكن القول إن «الحل الذي طفا على وجه الأزمة اللبنانية» لا يزال يحمل «بعض الطروحات الفرنسية»؟ سؤال يطرحه عدد من المراقبين للدبلوماسية الفرنسية، إلا أن إجابات المقرّبين من الملف اللبناني تحمل تقويمات متعدّدة الأوجه «لما حصل ولما يمكن أن تؤول إليه الأحوال»، مشدّدين على أن الوضع صعب ومفتوح على تغيّرات وتقلّبات «لأن الإدارة الأميركية غائبة بسبب فترة الانتخابات»
باريس ــ بسّام الطيارة

بعدما طوت وزارة الخارجية الفرنسية (الكي دورسيه) دعمها للمبادرة العربية، ونُقلت الوساطة العربية إلى الدوحة «كانتصار لدمشق»، بحسب مصدر واسع الاطّلاع، فإن الدبلوماسية الفرنسية صارت تحمل شعار دعم الجيش وتفهم موقفه خلال الأحداث. ويقول مسؤول فرنسي رفيع المستوى، رفض الكشف عن هويته، لـ«الأخبار»، إن «دعم الجيش في هذه المرحلة هو مثل دعم الحكومة الشرعية، لأننا نبحث عن تطبيق الدستور»، إلّا أنه يعود للاستفاضة في مديح تصرف قيادة الجيش الذي حال دون «انغلاق أفق الحل السياسي»، مضيفاً «لو أن الجيش تدخل أو أطلق النار على حزب الله وحاول منعه من تحقيق أهدافه لتدهوت الأمور بشكل أخطر بكثير». لكنه يشدّد على أن حزب الله «كان بوسعه الاستيلاء على السلطة لو أراد»، ويشرح كيف أن «ذلك لم يكن ضمن خطط الحزب». ويستطرد «لهذا يمكن القول إن ما فعله لم يكن انقلاباً».
ويشدّد المسؤول نفسه على أن المطلوب اليوم والهدف السياسي هو انتخاب «العماد سليمان رئيساً وتأليف حكومة جديدة وفق الدستور». وانطلاقاً من «كون الأمور تسير في الاتجاه الصحيح»، يؤكد «أنه ليس هناك أي مشروع قرار فرنسي ـــــ أميركي في مجلس الأمن».
إلا أن مصدراً أوروبياً في باريس أكد «أن مشروع القرار كان فرضية جرى التداول بها»، لكنه يضيف إن الضغوط الفرنسية دفعت نحو «التمهل في انتظار ما يتمخّض عنه اجتماع القاهرة». وقد أكدت مصادر مطّلعة أن «التواتر بين الضغط باتجاه قرار دولي والتمهّل بانتظار نتائج الحوار» في الدوحة يعود إلى تفاوت المقاربة لتحليل ما «يحصل حقيقةً على الأرض» بغضّ النظر عمّا يصل إليه المتحاورون.
ومن هنا وجود نظرتين في الدوائر الفرنسية إلى «مستقبل لبنان القريب»: الأولى، وهي الأكثر شيوعاً بين المسؤولين، تنظر إلى الأحداث من خلال «منظار موازين القوى الإقليمية الكلاسيكية» وتضعه في سياق صراع بين «إيران والغرب». وترى أن إيران «خرجت بعد الأحداث الأخيرة أقوى في صراعها مع الغرب في ما يتعلق ببرنامجها النووي». ويتدرج حاملو هذه النظرة لتفسير «الذهاب إلى الحوار» بأن «الإيرانيين لم تكن لديهم أي رغبة في أن تتدهور الأوضاع في لبنان». ويحمل هؤلاء قناعة «بأن إيران قادرة على زعزعة استقرار لبنان» عندما تريد. وينطلق هذا الفريق الواسع في طريق التفاؤل الحذر على أساس أن إيران في طور «هضم هذا الانتصار» ومحاولة استعماله لاحقاً على طاولة تفاوضها مع «الرئيس الجديد» في الولايات المتحدة.
أما النظرة الثاني، وتحملها أقلية من الدبلوماسيين وتشاركها فيها مجموعة من المحلّلين الأكاديميين والخبراء، فهي تنظر إلى ما حصل في إطار «هواجس صعود الموجة السلفية في لبنان» وسياق التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي يراها المتتبّعون للحركات السلفية «وخصوصاً تهديداتها للقوات الدولية». ويرى هؤلاء أن الخطر الأكبر الذي يتهدّد لبنان في السنوات القليلة المقبلة هو «تعاظم قوة السلفية الراديكالية»، التي بحسب تقديرهم قد «استفادت بشكل غير مباشر من ضربة حزب الله في بيروت». وتضيف المصادر إن «تضخم نفوذ الراديكالية السنية» لا يعود فقط إلى عدم قدرة الأكثرية بقيادة تيار الحريري السني على التصدي لحزب الله ما «سبّب نوعاً من الإهانة لسنة لبنان بشكل عام» ولكنه مرتبط أيضاً بـ«ضعف القوى السنية المنتمية إلى جناح المعارضة وتذبذبها بين النهج السياسي والنهج المذهبي» للمحافظة على نفوذها أو لكسب نفوذ جديد، وهو ما يفتح «طريقاً أمام التطرف». ويرى مصدر فرنسي مسؤول أنه «لا علاقة لحزب الله بتقدّم سلفية سنية راديكالية في لبنان»، مضيفاً «إن السلفية تتقدم في مناطق كثيرة لا وجود فيها لحزب الله».
ويرى المراقبون أن اختلاف التقويم بين وجهتي النظر يعود إلى أن الذين يرون في إيران «المحرك الأول لكل ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط» ينطلقون في تحليلهم وفق «موازين القوى الكلاسيكية». ويرى هؤلاء المراقبون أنّهم واقعون في هاجس «تبريرات ضرب إيران التواصلية» التي تتحكّم في حملة إعلامية تحضّر الرأي العام لتقبل ضربة لطهران «إذا حصلت».
وقد أكد المصدر الفرنسي المسؤول هذا التحليل بقوله «إن كل ما تتخبّط به المنطقة يدور حول الصراع بين الغرب وإيران»، معتبراً أن إيران يمكنها «تبريد الأمور» في النقاط الساخنة في الشرق الأوسط، في فلسطين والعراق ولبنان. وأعطى مثالاً بسؤاله «لو وجدنا حلاً للمسألة الفلسطينية فهل تهدأ إيران وتقبل تسوية في ملفها النووي؟». بينما يرى الذين يتخوّفون من اتساع الراديكالية الإسلامية أن هذه المقاربة «هي انتهاك للحقيقة التاريخية والواقعية السياسية»، وأن هذا النوع من المقاربات المنظمة «مثل الحملات الدعائية»، وإن هي تفيد في المدى القصير مروّجيها، فلا تستطيع توقيف اتساع رقعة الراديكالية الإسلامية المتطرفة التي تترعرع في «حقول كذب المجتمع الدولي».