حيفا ــ فراس خطيبمنذ قيامها على أنقاض الشعب الفلسطيني، سَعَت المؤسسة الإسرائيلية إلى ترجمة نياتها لضرب الانتماء القومي والعربي لفلسطينيي الـ48 ضمن حملات مكثفة ودائمة. فإضافة إلى مصادرة الأرض التاريخيّة ومخططات الهدم وتشويه رواية النكبة واللجوء الفلسطيني، يتعرض الفلسطينيون إلى مخططات لمصادرة اللغة العربية، التي تعدّ عنصراً أساسيّاً في هويتهم وانتمائهم. ورغم أن اللغة العربية تعتبر لغةً رسمية في إسرائيل، إلى جانب العبرية، فقد سعى سياسيون إسرائيليون على مدى عقود إلى تجريدها من رسميّتها. آخر المساعي كان عبر إعلان عضو الكنيست الإسرائيلي ليمور ليفنات (ليكود)، بالتعاون مع عددٍ من أعضاء الكنيست من حزبي «كديما» و«شاس»، نيّتها اقتراح قانونٍ لسحب مكانة اللغة العربية، كلغة رسمية.
قبول الاقتراح يعني إلغاء اللغة العربية في لافتات الشوارع بين المدن والقرى وفي قلب المدن. كما ستختزل السلطات كل الترجمات العربية للمستندات والنماذج الصادرة عن مؤسساتها ومكاتب الخدمات فيها. ولن تكتب العربية ولا في أي مناسبة رسمية تذكر، ما يعني إلغاء اللغة العربية من الوعي العام.
وفي رسالة لتعليل اقتراحها، لم تخفِ ليفنات نياتها الصهيونية، وكتبت أنَّ الاقتراح «حيوي، صهيوني وعرقي، يحمل رسالة ضرورية»، مضيفةً أنَّه «ليس معقولاً ولا منطقيّاً، أنْ تكون مكانة هذه اللغة (العربية) أو غيرها متساويةً مع اللغة العبرية، وخصوصاً في وقت تحاول فيه تنظيمات متطرفة لعرب إسرائيل (فلسطينيي الـ48) تحويل دولة إسرائيل إلى ثنائية القومية وجزءٌ من هذا هو تحويلها إلى دولة ثنائية اللغة، تكون فيها العربية والعبرية متساويتين».
ويرى محمد أمارة، الباحث في علم اللغة الاجتماعي في كلية «بيت بيرل»، أنَّ محاولة ليفنات «ليست الأولى»، مشيراً إلى محاولات سابقة دائمة «كانت منذ عام 1952، وكلها باءت بالفشل».
وقال أمارة، لـ«الأخبار»، إنَّ اقتراح ليفنات «يصب في توجهات أزلية لليمين وزعيمهم التاريخي (زئيف فلاديمير) جابتونتسكي الذي قال مراراً إن اللغة الفرنسية هي لغة فرنسا، وعلى اللغة العبرية أن تكون وحدها لغة الدولة اليهودية».
ورأى أمارة أن السعي إلى تهميش اللغة العربية واعتبارها ثانوية يعني «السعي إلى ضرب واحدٍ من أهم عناصر الانتماء والهوية»، مضيفاً أنَّ هذا الاقتراح ومثله يندرج ضمن «ايديولوجية هيمنة العبرنة». ويستبعد مرور القانون في الكنيست، ويوضح «صحيح أن الكنيست الإسرائيلي سنَّ قوانين عنصرية كثيرة، لكنَّ لمثل هذا القانون أبعاداً لن تكون فقط على فلسطينيي الـ48، بل رسالة توجهها إسرائيل ضد الشرق كله، وإسرائيل ليست جاهزة علنياً لهذا الإعلان المباشر».
العربية في اللافتات الإسرائيلية تتعرض هي أيضاً للتشويه. من يسير في الشوارع الإسرائيلية اليوم يدرك هذا جيداً. فقد كتب على اللافتات باللغات الثلاث: العربية والعبرية والإنكليزية. من يدقق يجد أن العبرية صحيحة وكذلك الإنكليزية، لكنَّ الأخطاء كلها بالعربية. يكتبون اسم المكان بالعبرية بأحرف عربية. مثلاً عكا تُكتب «عكو»، والخضيرة «خاديرا». ويرى الناقد الثقافي السياسي، أنطوان شلحت، في حديث إلى «الأخبار»، أنَّ أقتراح ليفنات «جزء من الحرب الثقافية التي خاضتها الصهيونية من أجل محو عروبة فلسطين». وأضاف أنَّه «في مجرى هذه الحرب ارتكب العديد من الممارسات في عام 1948 وما تلاها من أعوام، منها استبدال كل الأسماء العربية بأسماءٍ عبرية وسرقة المكتبات العامة وإلحاقها في خزانة الكتب الإسرائيلية والقضاء على كل المعالم الثقافية التي تدل على تاريخ حضارة الشعب الفلسطيني».
وعقّب النائب جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع البرلمانية، على ذلك بالقول إن «هذا الاقتراح يأتي ضمن سلسلة طويلة من مشاريع القوانين العنصرية. وهذا يدل على أزمة الهوية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، وعلى الخوف الذي ينتابه من العرب».
كما رأى النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، أن اقتراح ليفنات «يندرج في ركض نواب اليمين ليس فقط لإبراز عنصريته، وإنما المنافسة بينهم حول من هو عنصري أكثر، ولكن في ما يخص هذا القانون بالذات، فإن اللغة العربية هي لغة المكان والوطن، وهذه حقيقة لا يمكن أن تغيرها كل القوانين العنصرية».