رافقت الغرائب الحملات العسكريّة التي شنّتها حكومة نوري المالكي خلال الأشهر الماضية، أبرزها من دون منازع، هو ما يمكن تسميته بـ«قصّة العصا السحريّة»، التي أتاحت لقوات الاحتلال والقوات العراقية إعلان سيطرتها على مناطق من دون معارك تُذكَر، في ظلّ فوضى سياسية لا تتيح معرفة مركز قرار شنّ الحملات
بغداد ــ زيد الزبيدي

أولى الحملات الخالية من المعارك في العراق ما بعد الاحتلال، كانت «خطّة فرض القانون»، التي انطلقت منذ أكثر من عام في بغداد، وامتدت إلى المحافظات الأخرى. المثير بحسب المراقبين، كان عدم وجود مقاومة تُذكَر رغم أنّ الخطة وصلت تدريجياً إلى أحياء تُعدّ معاقل للمسلّحين. وتناولت وسائل الإعلام في ذلك الوقت معلومات ووثائق تفيد بأنّ الحكومة أبلغت العديد من «المتشدّدين» المتعاونين معها بضرورة الاختباء، أو مغادرة البلاد، كما تسرّبت معلومات عن مباحثات جرت في معتقل المطار، الذي تديره القوات الأميركية، بين قادة المسلحين والقوات العراقية، ما أعطى انطباعاً بأنّ عملية «فرض القانون» كانت حملة سياسية، قبل أن تكون عسكرية أو أمنية.
وفي مجال سير العملية ميدانياً، لوحظ التناقض المتمثّل بالدخول السهل من القوات الأميركية والعراقية إلى مناطق كان يصعب الاقتراب منها في الماضي، وتقع تحت سيطرة مسلحين أقرب للأطراف السياسية المشاركة في الحكومة، فيما جرى اللجوء إلى الضربات الجوية العنيفة ضدّ مناطق مصنَّفة ضمن «المناطق الحمراء»، قبل الدخول إليها بحذر، كما في البصرة والصدر والموصل.
وبعد الإعلان عن «نجاح فرض القانون»، رأى المراقبون أنها لم تكن سوى عملية «إخفاء للمظاهر المسلحة»، لا القضاء عليها، مشيرين إلى أن الهدوء الأمني هو أكثر هشاشة مما يبدو عليه.
ومن النتائج الكارثية، التي عُدّت «جانبية» في العمليات، ازدياد حدّة التطهير الطائفي والعرقي عبر النزوح الكثيف الذي ترافق مع استمرار التصفيات، بالإضافة إلى عزل المناطق بعضها عن بعض بالجدران الإسمنتية والحراسات المكثّفة.
وطرحت في هذا المجال العديد من التساؤلات عن الهدف المعلن لتلك العمليات، وهو «القضاء على المجموعات المسلحة والميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة»، فيما معظم الأجهزة الأمنية التي ينطبق عليها صفة «الدولة»، ليست سوى ميليشيات بأزياء وأسلحة وتجهيزات حكومية، بحسب تعبير العديد من السياسيين.
ويعزّز اتجاهات «فشل العملية الأمنية» في نظر المراقبين، أن السلاح الموجود لدى الجهات غير الرسمية، يفوق كمّاً ونوعاً ما كان عليه عند بدء عملية «فرض القانون» في 15 شباط من العام الماضي، وقد ظهر ذلك في معارك البصرة ومدينتي الصدر والشعلة.
يُضاف إلى ذلك، استمرار مسلسل العثور على «الجثث المجهولة الهوية» في الشوارع بشكل يومي، من دون الكشف عن الفاعلين، في ما يوحي بأن هناك جهات معينة تنفّذ «أجندة» أمنية من نوع خاص.
وبحسب ضابط سابق في الجيش، فإنّ تجميد العمليات القتالية في بغداد هو «قرار سياسي»، وقوّة الاحتلال تشعر أنها لا تستطيع التفوّق عسكرياً على الأرض، ما جعلها تلجأ إلى المساومة بين حصر السلاح بيد الدولة والاعتماد على الميليشيات، التي تمثّل «الصحوات» أبرز معالمها.
وتطرح مجريات الحملات الأمنية، العديد من التساؤلات عن حقيقة من يتّخذ القرار بشنّها، حيث يشير المصدر العسكري إلى معارك البصرة، التي «لم يكن المالكي على علم بها إلا بعد البدء بتنفيذها، لأنه، بحسب رئيس الجمهورية جلال الطالباني، كان مصرّاً على تمثيل العراق في قمة دمشق العربية، قبل أن يتراجع في اللحظة الأخيرة ويتوجه إلى البصرة».
وتشير التقارير إلى استمرار استهداف قيادات مهمّة في «جيش المهدي» في مدينة الصدر رغم الاتفاقات العديدة المعقودة بين التيار الصدري ورئيس الحكومة. وفي هذا المجال، تؤكد مصادر موثوقة، لـ«الأخبار»، أنّ القصف الجوي الأميركي الذي طال مستشفى الصدر في بغداد قبل أسبوعين، كان يستهدف أحد كبار قادة «جيش المهدي»، أركان الحسناوي، الملقّب بـ«أركان جمعية»، والمعروف بعلاقته الجيدة مع المالكي.
وأفاد سكان في حي الشعب الذي استهدفه القصف، لـ«الأخبار»، بأن «أركان جمعية» كان وسيطاً بين التيار الصدري والمالكي، وله نفوذ كبير في «جيش المهدي».
أما في الموصل، فقد لاحظ المراقبون التخبّط نفسه بين المسؤولين الحكوميين، حيث أعلن القادة العسكريون في البدء انطلاق عملية «زئير الأسد» بإشراف وزيري الداخلية جواد البولاني والدفاع عبد القادر جاسم، ثمّ أكّد المالكي بعد ثلاثة أيام منها «أن عملية زئير الأسد لم تبدأ بعد»، لينتقل في اليوم التالي إلى الموصل، حيث أعلن القادة العسكريون عن انتهاء «زئير الأسد»، وبدء عملية «أمّ الربيعين».
وانسحبت الفوضى في أجهزة الدولة إلى القوات العسكرية المشاركة في الحملة، حيث قالت مجالس الصحوة إنها حشدت 11 ألف مقاتل من صفوفها في الموصل، الأمر الذي نفت الحكومة علمها به، فيما أعلنت قوّات «البشمركة» أنها لا تشارك في المعارك، في ظلّ تقارير عن أن القوات العسكرية العراقية المشاركة في العملية هي كردية بمعظمها.
وفي ما يثبّت أن الحملة الموصلية «استعراضية» أكثر منها حقيقية، كشفت الحكومة منذ أشهر أنها تستعدّ لشنّ حملة حاسمة على «القاعدة» في محافظة نينوى الشمالية، ما يناقض أبسط المبادئ العسكرية القاضية بمباغتة العدو، ومنعه من تحضير دفاعاته وتنظيم صفوفه قبل الضربة.
وبعد أكثر من أسبوع على «زئير الأسد» و«أم الربيعين»، لم تشهد المدينة الشمالية، التي وصفها بعض أقطاب الحكومة بالمعقل الجديد لـ«القاعدة»، أية عمليات عسكرية غير اعتيادية، فيما ألقي القبض على أكثر من ألف شخص، من دون مقاومة تذكر أيضاً، وضبط نحو 150 قطعة سلاح، أي إن لكل ثمانية من المعتقلين «المسلّحين» قطعة سلاح واحدة!