أسئلة كثيرة طغت على اهتمام وسائل الإعلام في إسرائيل، على خلفية الكشف عن المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، دارت حول ما يلي: هل إن ما يجري يعكس تقدماً حقيقياً أم إنه مجرد مناورة إعلامية ذكية من قبل إيهود أولمرت وطاقمه؟ وهل ثمة آفاق وآمال يمكن تعليقها على هذه المفاوضات؟ وأين وصلت؟ وأين الإدارة الأميركية، لا سيما رئيسها جورج بوش، مما يجري؟
مهدي السيد

مهما تكن صحة التقديرات إزاء الصلة المتعمدة بين توقيت الإعلان عن المفاوضات غير المباشرة مع سوريا، وبين فضيحة الرشى المالية المتعقلة برئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، ثمة حقيقة أجمع عليها الخبراء والمحللون في إسرائيل، وهي أن الكشف عن الاتصالات مع دمشق أزاح الاهتمام العام في الدولة العبرية عن الفضيحة المذكورة، واحتل مكاناً بارزاً في عناوين وسائل الإعلام العبرية واهتماماتها، بغض النظر عن الآفاق والتوقعات بفشل الاتصالات أو نجاحها.
وفي هذا المجال، يستبعد المحلل السياسي في «يديعوت أحرونوت»، شمعون شيفر، وجود علاقة بين المفاوضات والتحقيقات ضد أولمرت، ذلك أنه «من مراجعة دقيقة للجدول الزمني للاتصالات غير المباشرة التي جرت في السنة ونصف سنة الأخيرة بين إسرائيل وسوريا برعاية تركيا، يبدو أنها تحركت في مسار مستقل تماماً، وسيكون من الصعب اتهام الرئيس السوري بشار الأسد بأنه تعاون مع محامي رئيس الوزراء الإسرائيلي».
بدوره، قال المحلل السياسي في «هآرتس»، عكيفا الدار، إنه إذا «كان أولمرت قد قرر إخراج المحادثات مع سوريا من الخزنة حتى يحرف أنظار الرأي العام عن التحقيقات البوليسية معه، فهذا ليس بالأمر اللطيف، ولكنه ليس بالشيء الفظيع». وأضاف الدار أن «الاعتقاد هو أنه إن جرى توفير دلائل على حصول رئيس الوزراء على الرشوة، فلن يؤثر اتفاق سلام مع كل الدول العربية بشيء على المستشار القضائي للحكومة أو على محكمة العدل العليا».
أما المراسل العسكري لـ«يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، فلم يُبرّئ أولمرت من تهمة ممارسة المناورات الإعلامية، لكنه أشار إلى أن «موضوع المفاوضات مع السوريين حقيقية جدية، وهي لا تبدأ من الصفر، ولا هي الآن في مرحلة البداية ولا في مرحلة جس النبض، بل إن إسرائيل وسوريا باتتا الآن عميقاً في المرحلة الانتقالية لإغلاق الأطراف الإجرائية وتحديد جدول أعمال».
ولفت فيشمان إلى أنه «من أجل الدخول إلى المرحلة الكاملة من المفاوضات المباشرة، هناك حاجة للأميركيين، غير أن الأميركيين لن يدخلوا إلا في آذار المقبل، بعد انتخابات الرئاسة الأميركية. وبالتالي، فإن الإدارة الأميركية الحالية لن تمنح السوريين أي شيء»، يسأل فيشمان عن العمل الذي ستقوم به الوفود الإسرائيلية، السورية والتركية حتى آذار 2009؟ ويجيب أن هناك «الكثير من العمل، وبرغم أن إسرائيل تعلن أنه لا شروط مسبقة، لكنْ واضح للجميع أنهم يواصلون من النقطة التي توقفوا عندها في شبردستاون. والجدال بين سوريا وإسرائيل اليوم هو بشأن تفسير نقطة النهاية».
وتعليقاً على البيان الرسمي الذي نشر في القدس المحتلة ودمشق وأنقرة بشأن بدء محادثات السلام غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، برعاية تركية، رأت «هآرتس»، في افتتاحيتها، أنه يبعث أملاً كبيراً وإلى جانبه تخوّف. وقالت الصحيفة إنه «لو كان لأي من رؤساء الوزراء السابقين الجرأة على التوقيع على اتفاق مع سوريا، لكان وضع إسرائيل اليوم أفضل بكثير، ولأمكن تجنب حرب لبنان الثانية، ولأمكن ضمان منظومة علاقات أخرى مع لبنان، كما يمكن الافتراض أيضاً أن حزب الله ما كان اليوم منظمة خطيرة ومسلحة، كما أن الحدود الشمالية لإسرائيل ستكون عندها حدوداً أكثر أمناً، ولكان الوجود الإيراني في المنطقة ضعف في ظروف السلام مع حليفتها. كما يمكن أيضاً الاعتقاد أن علاقات إسرائيل مع العالم العربي كانت ستتحسن مع توقيع الاتفاق مع دولة عربية مهمة أخرى».
ورأت الصحيفة أنه على الرغم من أن «أولمرت غارق في تحقيقات جنائية، وتحت شبهات خطيرة للغاية، وعلى الرغم من الاشتباه في أن تكون هذه حيلة إعلامية ترمي إلى تخليص إيهود أولمرت من التحقيقات، إلا أنه محظور السماح لهذه اللحظة المناسبة أن تمر، ومحظور تفويت هذه الفرصة التاريخية مهما كانت دوافع أولمرت؟».
ودعت الصحيفة، في ختام افتتاحيتها، أولمرت إلى «قلب كل حجر»، وطالبت بأن «تستمر التحقيقات، وكأن لا محادثات سلام، وأن تستمر محادثات السلام وكأن لا تحقيقات».
في المقابل، توقف أهرون ليران، في «معاريف»، عند ما عدّه «الثمن الباهظ للانسحاب من الجولان، وأوهام السلام»، فرأى أن عبارة «الثمن معروف» التي يرددها أولمرت «تثير القشعريرة»، مشيراً إلى أن الإسرائيليين «لم يتعلموا الدرس من الانسحاب من لبنان في عام 2000، ومن فك الارتباط عن قطاع غزة في عام 2005، هذا الدرس مفاده أنه: من كل مكان انسحبت إسرائيل منه، لا يأتي غير الشر».
وانتقد ليران أولمرت بشدة قائلاً إنه من «المثير للقشعريرة التفكير بأن سياسيين فاشلين، هدفهم النجاة فقط، يسمحون لأنفسهم باللعب بحياة الناس كحجارة شطرنج وكأوراق تتطاير في الهواء».
وسأل ليران «إذا كان السلام مع مصر عقيماً، سلام مع وقف التنفيذ، يقوم على أساس عداء عميق وهدفه: إعادتنا إلى حجومنا الطبيعية، فهل السوريون سيوفرون لنا سلاماً ذا قيمة؟».
وأضاف أن «التفكير في أن الاتفاق سيدق إسفيناً بين دمشق وطهران هو وهم أيضاً. فالتأييد السوري لحزب الله هو مصلحة عليا ترمي إلى ضمان السيطرة في لبنان، وهو الأهم للسوريين أكثر من الجولان».
ورداً على السؤال عمّا إذا كان «السلام» مع سوريا سيمنع الحرب، قال ليران إنه ليس هناك أي ضمانة لذلك، لا سيما أن «كل انسحاب، وبالتأكيد من أرض مشرفة ومطلة كهضبة الجولان، يعبّر عن انهيار إسرائيلي يجعل أعداءنا أكثر وقاحة، ويزيد الإغراء لمهاجمتنا».