شهيرة سلومدأبت الإدارة الأميركية، في مختلف المحطّات التاريخية لباكستان، على مناصرة الحكم العسكري فيها، بعدما أثبت جنرالاتها ولاءهم من خلال تنفيذ استراتيجية واشنطن. إلاّ أنّ إدارة المحافظين الجدد، بحمائمها وصقورها، تُظهر اليوم تفاوتاً في المواقف حيال دعم استراتيجية الحكومة الجديدة المُنتخبة ديموقراطياً لجهة مكافحة الإرهاب، المنقلبة أصلاً على استراتيجية حليف أميركا، الجنرال برويز مشرّف.
لقد اعتادت إسلام آباد على حكم العسكر، كما اعتاد الجنرالات على دعم الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، ما أفشل قيام أي ديموقراطية ناشئة. ففي أول زيارة له إلى جنوب آسيا، أسقط الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور المديح على الحاكم العسكري أيوب خان. أما جون كينيدي فنظّم حفلاً ترحيبياً على شرف خان في ماونت فيرنون (المكان الذي استخدمه جورج واشنطن كي يسلي ضيوفه من الزعماء الأجانب). كذلك فعل خليفته ليندون جونسون. ريتشارد نيكسون مدح الحرب المريرة والفاشلة التي خاضها يحيى خان في بنغلادش.
أما جيمي كارتر ورونالد ريغان، فألقيا بدعمهما على الديكتاتور ضياء الحق مكافأة له على المشاركة في الحرب الأفغانية ضدّ الاتحاد السوفياتي، رغم أنّ كارتر غضب جداً لإعدام الحق رئيس الحكومة ذو الفقار علي بوتو المنتخب ديموقراطياً.
وعندما وصل مشرّف إلى السلطة عبر الانقلاب، فرض بيل كلينتون عقوبات ضدّ الحكم العسكري، وحرص على ألاّ يُلاقي رئيس الحكومة نوّاز شريف مصير بوتو، لكنّه عاد وسار على نهج أسلافه وقام بأول زيارة لرئيس دولة إلى باكستان بعد الانقلاب. أما جورج بوش فهو قدّم ولا يزال دعماً مفتوحاً لمشرّف.
ضريبة الدعم غير المحدود كانت انخفاض شعبية مشرّف إلى أدنى مستوياتها، إلى درجة أنّه لم تنجح محاولات واشنطن العديدة لتحسين موقعه الشعبي، بل إنّ غالبية الباكستانيين يرون أنّ الحرب التي يخوضها رئيس بلادهم ضدّ الإرهاب ليست حربهم، بل حرب بالنيابة عن واشنطن.
انبثقت الحكومة الجديدة بعد انتخابات ديموقراطية، واعتمدت استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب، مشيرةً إلى أنّ سياسة حكومة مشرّف لم تودِ بالبلاد إلا إلى مزيدٍ من الهلاك. استراتيجيتها تقوم بالأساس على «معالجة البيئة الحاضنة للإرهاب» من خلال سياسة تنموية ببعد اجتماعي واقتصادي في المناطق القبلية، تهدف إلى عزل «الإرهاب» المتمثل بتنظيم «القاعدة» عن القاعدة الشعبية التي دعمته ووفرت له ملاذاً آمناً. لذا استهلت سياستها بإبرام اتفاقية سلام مع المسلّحين، من أجل تحقيق الاستقرار وإطلاق «برنامج إعادة الإعمار» في تلك المناطق.
استراتيجية عارضها صقور الإدارة الأميركية، وفي مقدّمتهم جورج بوش؛ فالبعض داخل هذه الإدارة لا يزال متمسّكاً باستراتيجية مشرّف لمكافحة الإرهاب، رغم أنها فشلت في تحقيق أهدافها («القاعدة» تمكّن من بناء جنته الآمنة في المناطق القبلية).
في المقابل، هناك فريق آخر في الإدارة، بينهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومدير «السي أي إيه» مايكل هايدن ووزير الدفاع روبرت غيتس وقائد القيادة المركزية دايفيد بيترايوس، يتوافق مع الاستراتيجية الجديدة، ويرى أنّ الحلّ العسكري وحده لا يكفي، بل يجب أن يتكامل مع سياسة تنموية.
وقالت رايس في 14 نيسان الماضي إن هناك «بوادر لفرصة استراتيجية جديدة تظهر في باكستان ستدفع البلاد إلى التحوّل الديموقراطي، وعلى باكستان اليوم أن تجد وسيلة كي تضع القوات المسلّحة تحت السيطرة المدنية».
ويبقى السؤال: هل تنجح الاستراتيجية الجديدة أم ستضطر واشنطن مجدداً إلى الاستعانة مباشرة بالجنرالات القابعين حالياً في ثكناتهم؟