أرنست خوريرغم أنّ انتخابات مجالس المحافظات العراقيّة ستقتصر (إذا حصلت) على المحافظات العربيّة الـ16 غير المنتظمة في إقليم، (على أن يُشرّع قانون خاص لانتخابات محافظات الإقليم من جانب برلمان كردستان)، فإنّه من المتوقّع أن يكون لها أثر في إعادة توزيع المناصب في السلطة المركزيّة في بغداد.
فالقاعدة التي أرساها الاحتلال الأميركي في المحاصصة الطائفيّة والقوميّة في تولّي المناصب في الرئاسات والوزارات، تأثّرت بقرار طيف واسع من العرب السنّة مقاطعة العمليّة السياسيّة والانتخابات التي ترعاها بشكل خاص.
إذاك، ذهب جزء من المناصب التي كان من المفترَض إعطاؤها إلى العرب السنّة، للأكراد. هكذا نال ممثّلو هذه القوميّة حصّة الأسد من المناصب السياديّة، متمثّلة برئاسة الجمهوريّة ووزارة الخارجيّة ونيابة رئاسة الحكومة. أمّا العرب السنّة فأهمّ ما نالوه كان رئيس البرلمان ونائب رئيس الجمهوريّة ونائب رئاسة الحكومة.
غير أنّ الوضع مرشّح للتغيّر اليوم، بحيث إنّ قطاعات واسعة من هؤلاء العرب قرّروا المشاركة في الانتخابات. فإذا كانت جولة 15 كانون الثاني 2005 لم تجذب سوى نسبة ضئيلة من هؤلاء ليشاركوا فيها (أقل من 5 في المئة من ناخبي الأنبار مثلاً)، فمن شبه المؤكّد أن تضرب هذه المرّة أرقاماً قياسيّة، بما أنّ هذه المحافظة شهدت ولادة «مجالس الصحوات»، وتشهد منافسة حادّة بين «الصحوات» المقرّبة من الحزب الإسلامي و«جبهة التوافق» بشكل عام وتلك البعيدة عنهما، لاحتكار صفة الناطق باسم العرب السنّة.
بناءً على ذلك، وأمام مشاركة شعبيّة عارمة من الشارع العربي السنّي في الانتخابات، لن يقف ممثّلو هؤلاء مكتوفي الأيدي في ظلّ «احتلال» الأكراد بعض المناصب التي كانت محسوبة من حصّتهم يوم قرّر الحاكم بول بريمر «لبننة» العراق وعدم التعاطي مع العراقيين إلا كمجموعات إثنيّة ومذهبيّة.
وستكون حجج ممثّلي السنّة المنتخبين قويّة في مطالبتهم بإنهاء «الحرمان» الذي يلحق بهم. فـ«إرضاء السنّة» كاد يتحوّل عنواناً حقيقيّاً لاستراتيجيّة إدارة جورج بوش في الملفّ العراقي.
حتّى إنّ قوانين «المصالحة الوطنيّة» التي ضغطت واشنطن ولا تزال على حليفيها الشيعي والكردي لتمريرها، تكاد تنحصر أهدافها بإقناعهم العرب السنّة بالمشاركة السياسيّة عبر العفو عن المعتقلين وتوسيع صلاحيات مجالس المحافظات، وإعطاء قسم من عائدات النفط إلى المناطق ذات الغالبية السنيّة والتخفيف من شروط العفو عن البعثيّين السابقين...
في الفترة الماضية، كثُرت الاقتراحات بتغيير معايير توزيع المناصب الرفيعة في إدارة الدولة العراقيّة. طُرحت حينها أفكار تطالب بانتزاع رئاسة البلاد من يد الأكراد لإعطائها إلى العرب السنّة، على أن ينال الأكراد في المقابل رئاسة البرلمان. لكن جميع الأفكار لم تصل في جرأتها إلى حدّ طرح انتزاع منصب رئيس الحكومة، ذات الصلاحيّات الأكبر (لأن العراق ما بعد الاحتلال تحكمه قواعد النظام البرلماني لا الرئاسي)، من أيدي الشيعة، الناسجين أفضل العلاقات مع كل من واشنطن وطهران.
شروط الأمس لم تكن مؤاتية لتغيير مشابه. قد يكون استحقاق انتخابات المحافظات مناسباً لتبنّي مثل هذه الأفكار على صعيد رسمي.
على جميع الأحوال، فإنّ الأكراد حقّقوا في الفترة التي تمتّعوا فيها بالمناصب السياديّة المهمّة، الكثير من أهدافهم خارجياً وداخليّاً، بدءاً من تحسين سريع للعلاقة مع تركيا والغرب، بالإضافة إلى اعتراف عربي ودولي بواقع «دولتهم» في الشمال.
كما كرّسوا أنفسهم لاعباً داخلياً رئيسياً بتحالفهم مع «الائتلاف العراقي الموحَّد» (قبل انفراط عقده)، وتمكّنوا من إسباغ صفة شرعيّة على ميليشيات «البشمركة» وحصدوا النسبة التي أرادوا من الموازنة المركزيّة للدولة العراقيّة.
وسيكون أمامهم الوقت الكافي إلى حين موعد تشرين الأوّل، لكي يحقّقوا المزيد من المكاسب، وخصوصاً على صعيد حريّة إبرام العقود النفطيّة مع الشركات العالميّة، وتحقيق المزيد من «التكريد» في المحافظات التي يملكون فيها وجوداً ديموغرافياً ككركوك وديالى ونينوى.