ربى أبو عموالخطر على روسيا يتأتى مجدداً من إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. إحدى جمهوريات البلطيق الثلاث، والدولة العضو أيضاً في الاتحاد الأوروبي. إستونيا تتصالح مع تاريخها. كأنها تبدأ الانتقام أو ربما كانت تعيد الزمن إلى ملعبها. هي عقدة اتفاق هتلر ــ ستالين في عام 1939، الذي أعطى الضوء الأخضر للاتحاد السوفياتي باحتلال جمهوريات البلطيق كلها.
هل هي صدفة، واقع أو مخطّط لحلف شمال الأطلسي؟
عدد كبير من العسكريّين الروس كانوا قد بدأوا بالانتقال إلى الجيوش الغربية، لكن الأمر توسّع اليوم ليشمل الجيش الإستوني. فتالين، العاصمة الإستونية، تقدّم للجنود الروس الجنسية الإستونية مجاناً، كالسكاكر.
هم ليسوا بضعة جنود. بدأ العدد بالمئات واليوم أصبح بالآلاف. الأمر لم يعد سراً، رغم تكتم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ورئيس وزرائه فلاديمير بوتين، المشغولين في بناء الإمبراطورية الروسية مجدداً، من خلال تطويق الغرب بالموارد الطبيعية، والارتقاء بالترسانة العسكرية إلى عهد الاتحاد السوفياتي، مع فارق التوقيت الذي يحتم نوعية مختلفة.
المشكلة تكمن في الإغراءات. فمعظم سكان منطقة بسكوف الحدوديّة يحملون جنسية مزدوجة روسية ــ إستونية. يملك نحو 10 آلاف مواطن في هذه المنطقة جوازات سفر إستونية، الأمر الذي يهدّد الحدود الروسية. ويظهر جلياً أن إستونيا تقود حملة توسعية سياسية واقتصادية واجتماعية في مقاطعة بيشورا في بسكوف. وليس بحوزة السكان سوى الاستغناء إما عن جواز السفر الإستوني، أو فرصة العمل في تالين المفقودة حتماً في موسكو. وبالطبع لن يجرؤ أي مواطن على اختيار الاستغناء عن جواز السفر الإستوني، الذي يتيح له السفر في كل أنحاء أوروبا من دون تأشيرة.
الظروف المعيشية داخل الجيش بين إستونيا وروسيا متباينة. لذا ليس مستغرباً أن يتمسّك الجندي الروسي بمغريات تالين، انطلاقاً من الحد الأدنى للرغبة في الحياة. فالمضايقات التي يخضع لها الجندي الروسي داخل جيشه غير موجودة ضمن صفوف الجيش الإستوني، فضلاً عن المعدات القديمة، وأحياناً المجاعة ضمن جيش موسكو. وتشير صحيفة «برافدا» الروسيّة إلى أن «المواطنين الروس تحولوا إلى جنود خدم ضمن جيش حلف شمالي الأطلسي، خلال بحثهم عن لقمة عيشهم، أو لقوة تأثير السكاكر».
بالطبع، يعدّ الأمر انتصاراً بطيئاً وتدريجياً للغرب في العمل على تحطيم موسكو عبر حبيبات مخدرة، ومن دون أن تشعر. إلّا أنها في الوقت نفسه فرصة حقيقية لميدفديف ليحوّل الضوء عن بوتين نحوه.