مي الصايغوكان الملك جيانيندرا (60 عاماً)، أحد أحفاد أسرة الشاه الثرية، قد اعتلى العرش بعد مجزرة غامضة أسفرت عن مقتل شقيقه الملك السابق بيريندرا وأسرته في الأول من حزيران 2001، ارتكبها ولي العهد الأمير بيندرا، الذي انتحر بعد ذلك.
مذبحة أزالت سحر مملكة قدّس النيباليون ملوكها ذات يوم بوصفهم تجسيداً للإله الهندوسي «فيشنو» حامي الشعب، فيما أطلقت سيطرة جيانيندرا على السلطة العنان لغضب النيباليين، إذ قرر أنه الوحيد القادر على «إنقاذ» البلاد من حركة تمرد الماويين.
وعلى غرار كثيرين من أسلافه، تربى على فكرة أنه يعرف أكثر من شعبه ما هو أفضل للنيبال.
هذا ما ذهب إليه رئيس تحرير صحيفة «نيبالي تايمز» الأسبوعية، كوندا ديكسيت، إذ وجد أن جيانيندرا «كان يعتقد أن نيته هي الأحسن، لكن نزعته الاستبدادية هي التي قضت عليه». كما أشار مدرّسه للغة الإنكليزية في الجامعة، موهان براساد لوهاني، إلى أن الملك منذ شبابه «لم يكن تلميذاً عادياً، كان مهتماً بالسياسة أكثر من اهتمامه بالدراسة. وكانت له رؤيته الخاصة بشأن كيف يجب تغيير الأمور. وكان طموحاً للغاية».
في المقابل، يرى كثيرون من مواطني نيبال، أن رجل الأعمال، الذي أصبح ملكاً، يجب ألا يلوم إلا نفسه بعد قراره الذي افتقر إلى الحكمة بالسيطرة على السلطة عام 2005، حين أقال الحكومة واعتقل ساسة وأعلن حال الطوارئ. بذلك انقلب السحر على الساحر، إذ اضطر إلى التراجع ووضع حد لأربعة عشر شهراً من الحكم المباشر في نيسان 2006 وإعادة العمل بالبرلمان، عقب أسابيع من تظاهرات قادها تحالف يمثل أحزاب المعارضة الرئيسية السبعة للمطالبة بالديموقراطية، وإنهاء سيطرة الملك وليدفع باتجاه التوصل إلى تحالف بين الماويين وأحزاب الائتلاف الحكومي السبعة رغم العداوة المستأصلة بين الطرفين.
تحالُف تُرجم بعد ذلك باتفاق سلام تاريخي قضى بتقاسم السلطة، ما وضع حداً لحرب أهلية أوقعت أكثر من 15 ألفاً و500 قتيل منذ 1996. اتفاق خسر ملك النيبال على أثره صلاحيته في تعيين أعضاء مجلس الوزراء، وحقه في الاعتراض على القوانين، ليصبح البرلمان مستقلاً في اتخاذ قراراته وتطبيقها. كما سحبت صلاحيات الملك التي كانت تمنحه القيادة العليا للجيش والقوات المسلحة النيبالية وتعفيه من دفع الضرائب. فطالبته مصلحة الضرائب بسداد مبالغ وطولب بدفع فواتير كهرباء لم تسدد قيمتها. وأقيل الكاهن الخاص به في عملية تطهير لموظفي القصر، وصولاً إلى إزالة صورته عن أوراق النقد، وحلّت محلها صورة جبل إيفرست وحذف اسمه من النشيد الوطني.
غير أن فوز الماويين بالانتخابات التشريعية في نيسان الماضي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر آخر الملوك الهندوس. إذ حصلوا على 217 مقعداً في الجمعية التأسيسية التي تضم 601 نائب، والمكلفة صياغة دستور جديد لآخر الممالك الهندوسيّة والتحوّل إلى جمهورية.
تحوّل كان نتاج اتفاق مبدئي أبرم في كانون الأول الماضي بين الأحزاب النيبالية والشيوعيين الذين يحكمون معاً منذ نيسان 2007، كذلك التوحد حول قيام جمهورية فدرالية يتطلع زعيم الماويين بوشبا كمال دهال، المدعو براشاندا، إلى رئاستها.
ويبقى على الماويين، الذين يتمتعون بغالبية بسيطة، التشاور مع التشكيلين السياسيين الآخرين في البلاد، وهما «المؤتمر النيبالي» و«الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني الموحّد»، لتهيئة أرضية صلبة لمستقبل الجمهورية الناشئة.