معمر عطويمن الواضح أن الموقف الروسي تجاه إيران بدأ يشهد بعض التذبذب منذ تصويت موسكو على قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1803 في 3 آذار الماضي، الذي فرض مجموعة جديدة من العقوبات على النظام الإسلامي، بخلاف موقفها السابق حين امتنعت عن التصويت على القرارين 1737 و1747.
لعلّ أحد أبرز الإشارات إلى هذه السياسة، توجيه مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، أول من أمس خطاباً نقدياً للسياسة النووية لإيران، بسبب رفضها فكرة إجراء مفاوضات مع القوى العالمية الست الكبرى. نقد حمل مدلولات إضافية أكدت استمرار نيّة روسيا في دعم البرنامج النووي الإيراني السلمي، مع احتكارها مسألة تزويد الإيرانيين الوقود النووي، كي تضمن عدم خروج أهداف هذا البرنامج عن الطابع السلمي.
وبات من المؤكد، أن موسكو التي تلعب الورقة الإيرانية في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، أرادت أن تُبقي جارتها الإسلامية تحت رقابتها النووية، واصفة برنامج التخصيب الايراني بأنه «غير منطقي من الزاوية الاقتصادية»، بحسب تشوركين، الذي أشار إلى أن «بمقدور طهران أن تشتري الوقود النووي الروسي بتكلفة أقل كثيراً»، مع التذكير هنا، بأن موسكو أرسلت في وقت سابق ثماني شحنات بحمولة إجمالية تقدَّر بـ82 طناً من هذا الوقود إلى محطة بوشهر الكهرو ـ ذرية (جنوب إيران)، كانت آخرها في 28 كانون الثاني الماضي.
ويبدو أن وريثة الاتحاد السوفياتي، التي لا تتمنَّى نشوء قوة نووية إسلامية على حدودها، لم تقطع شعرة معاوية مع إيران، في إطار الحفاظ على مصالحها في هذا البلد الذي أصبح يعاني ضعف الاستثمارات الأجنبية على أراضيه، بسبب الضغوط الغربية والقرارات الدولية. لذلك، ترافقت هذه السياسة الصارمة تجاه إيران مع بقاء خيوط التعاملات الاقتصادية مفتوحة على مصراعيها.
وربما باتت روسيا إلى جانب بعض الدول الآسيوية إحدى أهم الدول المتعاملة مع طهران في هذا المجال، ولا سيما أن لشركة «غازبروم» نشاطاً في إيران منذ سنوات، استثمرت خلالها نحو أربعة مليارات دولار بين عامي 2000 و2007. ومن الطبيعي أن تستفيد إيران من خلال هذا التعاون الذي يفتح ثغرة في جدار العقوبات الدولية، ويفتح الباب أمام وصول مصادر الطاقة لديها إلى بلدان أخرى في أوروبا، مع احتكار موسكو ـ طبعاً ـ لسوق الغاز الأوروبي.
من خلال هذا الواقع، تبدو موسكو، عشية لقاء فلاديمير بوتين بنظيره الأميركي جورج بوش في منتجع سوتشي، كأنها تسعى إلى تسوية مع واشنطن قبل انتهاء ولاية بوتين، وخصوصاً بعد تسجيل الأخيرة نقطة في مرمى الأولى من خلال استقلال كوسوفو.
بأي حال، ليس من مصلحة روسيا أن تستعدي إيران، شريكتها التجارية وإحدى أهم زبونات منتجاتها من الأسلحة. لكن الدب الروسي يفضّل أن يلعب على حبلين على طريقة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم». من هنا، علقت روسيا صفقة بيع النظام الصاروخي «أس. 300» لإيران حتى الآن من دون أن تعلن رفضها لذلك. فمراهناتها على إنجاز بعض الملفات الخلافية مع واشنطن لا يمكن أن تنجح من دون استخدام الورقة الإيرانية في ذلك.