مي الصايغمع اقتراب موعد حزم كل من الرئيس الأميركي جورج بوش والروسي فلاديمير بوتين لحقائبهما لمغادرة منصبيهما، تنعقد القمة السنوية لحلف شمال الأطلسي اليوم في قصر تشاوشيسكو في العاصمة الرومانية بوخارست، حيث تطغى مسألة توسيع الحلف شرقاً، ومهمته المصيرية في أفغانستان على جدول أعمال القمة الأكبر في تاريخ الحلف.
ووسط عودة أصداء الحرب الباردة، تأتي دعوة الرئيس الروسي لحضور أعمال القمة، التي تستمر 3 أيام، علّها تسهم في إذابة الجليد الذي يعتري العلاقات بين موسكو وواشنطن عقب سلسلة من المشاحنات حول استقلال كوسوفو والدرع الصاروخية الأميركية.
دعوة، أمل المندوب الروسي لدى حلف شمال الأطلسي، ديمتري روغوزين، أن توفر فرصة لفتح حوار جدي بين الطرفين، مشيراً إلى أن «مجيء بوتين إلى بوخارست بحد ذاته إيجابي».
ورأت صحيفة «واشنطن بوست» أن القمة تمثِّل اختباراً آخر للحلفاء لقضايا مثل معاهدة القوات غير التقليدية في أوروبا، وموازنة حلف الأطلسي ومهمته في أفغانستان، وصولاً إلى مسألة توسيعه ليشمل الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين، أوكرانيا وجورجيا. كما تتحرق كل من ألبانيا وكرواتيا ومقدونيا شوقاً للانضمام إلى الحلف، في وقت لوحت فيه اليونان باستخدام حق النقض ضد عضوية مقدونيا على خلفية نزاعهما على اسم هذه الدولة التي تأسست إثر تفكك يوغوسلافيا. وكشف مراقبون عن أن وراء رغبة بوش في مساندة انضمام ألبانيا وكرواتيا ومقدونيا بعد تعهدها الإسهام في المهمات القتالية في أفغانستان والعراق.
ورغم الحذر الألماني والفرنسي والتهديد الروسي، ذكرت صحيفة «يو.أس.أي توداي» أنه قبل انقضاء الأسبوع، ستُتخذ قرارات في عضوية الأطلسي لثلاث دول في البلقان هي ألبانيا وكرواتيا ومقدونيا، وكذلك لأوكرانيا وجورجيا.
كما تحتل مسألة الدرع الصاروخية التي تعتزم الولايات المتحدة نشرها على الأراضي البولندية والتشيكية، حيزاً كبيراً من مناقشات الحلف. إذ تود براغ أن يتبنى الأطلسي صراحة الخطة الأميركية القاضية بإقامة موقع لإطلاق الصواريخ في بولندا ومحطة رادار في تشيكيا للتصدي لأي خطر إيراني.
وبالانتقال إلى مهمة الحلف في أفغانستان، التي تحتل حصة الأسد في جدول الأعمال، تسعى القمة لجسر الهوة داخل الحلف، بعدما كادت المحاذير حول كيفية ومكان القيام بعمليات عسكرية، أن تضع مصير قوة «إيساف»، ذراع الحلف في أفغانستان، على المحك، في ظل عودة «طالبان» إلى المسرح، الأمر الذي دفع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية نيكولاس بيرنز إلى التحذير من «أزمة قد تكون وجودية»، ما يحتم الحاجة إلى استراتيجية جديدة للحلف، بعد غرقه في وحول أفغانستان.
فالقوات «الأطلسية» لم تنتشر في منطقة حربية خلال الحرب الباردة، لذا فإن عدم المساواة داخل الحلف كانت مغطاة. ومع انخراط قواتها في ساحات القتال، بانت هذه الفوارق. كما أن توسع الأطلسي ليضم الدول الصغيرة والضعيفة في وسط أوروبا وشرقها، يجعل من الطبيعي أن يكون داخله مستويات متفاوتة.
وذهبت «واشنطن بوست» إلى الحديث عن خلاف على مستويات القوات يؤكد وجود انقسام فلسفي بين الولايات المتحدة وحلفائها على أفضل السبل في أفغانستان منذ أكثر من ست سنوات، بعدما أسقطت القوات بقيادة الولايات المتحدة نظام طالبان، وعلى نطاق أشمل على مستقبل الحلف.
ويتذمر المنتقدون من أن الحلف أصبح غير متكافئ وذا مستوى ثنائي. ففيما تقع المهمات القتالية ومحاربة عناصر «طالبان» في الجنوب والشرق الأفغاني على عاتق الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وهولندا، تفضل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول الأعضاء التمركز في الأماكن الآمنة، رافضةً زج جنودها في الخطر.
وأشار الخبير في الشؤون الأمنية في صحيفة «واشنطن بوست»، ستيفن لارابي، إلى إن غالبية الأوروبيين «لا يرون أن أفغانستان هي معركتهم. وخلال الحرب الباردة، كان لدينا إجماع على من هو العدو، أما الآن فليس لديها عدو مشترك. لدينا مخاوف مختلفة».
فهل ينجح سيد البيت الأبيض في قمته الوداعية، في إقناع القادة الأوروبيين، وحفظ ماء وجه حلف الأطلسي، ومنع تحول أفغانستان إلى فيتنام جديدة؟