strong>مع اقتراب الانتخابات المحلية المصرية المقرّرة الأسبوع المقبل، تتصاعد الحملة على جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة. حملة لا تقتصر على الوجه الأمني، بل بات لها طابع اجتماعي يسعى إلى تضييق الخناق على الجماعة الإسلامية، التي بدأت تشهد تصدّعاً من الداخلالقاهرة ــ الأخبار
«مش عاوزين إخوان»، شعار لم ترفعه صحف أو أجهزة رسمية في مصر، لكنه أحد عناوين حملة كبيرة على شبكة الإنترنت يشترك فيها ما يمكن تسميتهم المنشقين عن الجماعة التي تجاوز عمرها ٨٠ عاماً ومحظورة من العمل العلني منذ ١٩٥٤.
«الحملة الشعبية» على «الإخوان» تتزامن مع حملة أمنية تحوّل معها الاعتقال إلى خبر يومي وعادي، بل إن التهم الموجهة إلى أعضاء الجماعة أشارت إلى تعدد تنظيمات أو مستويات سياسية، وهو ما يعدّ مفاجأة للمختصين في دراسة «الإخوان المسلمين»، الذين رأوا أنه منذ مدة طويلة تضاءل نفوذ «التنظيم السري» لمصلحة أداء أقرب إلى «الحزب السياسي» الباحث عن اعتراف. لكن الاعتقالات الأخيرة أشارت إلى وجود تنظيم يسمى «تنظيم الشوارع»، يرجع إليه قادة «الإخوان» للتحرك في لحظات الضرورة.
غير أن اتجاهاً آخر يرى أن أجهزة الأمن تبالغ، مؤكداً أن «الإخوان» يخشون فض الاتفاق غير المعلن مع أجهزة الأمن وهو «لا تحركات شعبية في مقابل نصف مساحة للتحرك السياسي». هذا الاتجاه يدعمه قرار «الإخوان» أخيراً بالابتعاد عن الإضرابات التي شهدتها القاهرة، وآخرها إضراب أساتذة الجامعة قبل أيام، وهو ما كان موضع انتقاد حاد في الحملة الإلكترونية على الإنترنت، التي أشارت إلى «أن الجماعة اكتفت بالتصريحات والاستجوابات التي يقدّمها أعضاؤها في مجلس الشعب عن الأعمال الفنية، ونسوا المواطن ومشاكله». ورد الانتقاد في مدوّنة إلكترونية اختار صاحبها اسم «إخواني مش تابع لحد»، وهي واحدة من مدوّنات «الجيل الثالث» من «الإخوان» الذي يرفض سيطرة ما يسمى الحرس القديم في الجماعة.
ويبدو أن الجماعة تعيش حال ارتباك بسبب الاعتقالات الأمنية والمصادرة السياسية لنشاطها، بعد منع مشاركتها فعلياً في انتخابات المحليات (وعملياًَ لم توافق لجنة الانتخابات إلا على نحو ٣٤٠ مرشحاً إخوانياً من أصل ٥ آلاف استطاعوا التقدم بأوراق الترشيح رغم التجاوزات). وبعدما اقتصرت التظاهرات التي تنظمها الجماعة على ما يتعلق بشؤونها (المحاكمة العسكرية والانتخابات)، فقد حاولت الدفاع عن نفسها، في بيان صدر أمس، تؤيد فيه الإضراب المزمع تنفيذه في السادس من الشهر الجاري في مصر، لكنها دعت في المقابل إلى الحفاظ الكامل على مؤسسات الدولة.
وقالت الجماعة، في البيان الذي حمل توقيع مرشدها العام مهدي عاكف، إنها «مع الإضراب كوسيلةِ تعبيرٍ واحتجاجٍ سلمي في مواجهةِ ممارسات السلطة الاستبدادية والقمعية التي أفسدت الحياة السياسية المصرية».
وجاء هذا الموقف في وقت تعهد فيه وزير الداخلية المصري، اللواء حبيب العادلي، بالاستمرار في ملاحقة «الإخوان» ومنعهم من تكوين جماعات سرية مناهضة لنظام حكم الرئيس حسني مبارك. لكن عاكف قال، لـ«الأخبار»، إن «هذه الاتهامات مفبركة بهدف الإساءة إلى الإخوان وتشويه سمعتهم وتنفير الشارع منهم»، مشيراً إلى أن «الشعب يعرف جيّداً هذه الألاعيب الملتوية ولا يُعرها أدنى اهتمام».
ورأى عاكف أن «المواجهات بين الإخوان والحكومة تجري من طرف واحد. فالإخوان طرف معتدى عليه باستمرار»، مؤكّداً التزام الجماعة النهج السلمي، رغم الملاحقات والقبضة الأمنية المستمرة إزاءها. وقال: «يستهدفون حرماننا حقنا الطبيعي في خوض الانتخابات. هذا الحكم فاسد ولا أمل في إصلاحه».
وكانت النيابة العامة في مدينة دمنهور، عاصمة محافظة البحيرة شمال مصر، قد أمرت بحبس 105 أعضاء في جماعة «الإخوان» المسلمين لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق معهم، بعد اشتراكهم في تظاهرة، ووجهت إليهم تهمتي الانتماء إلى جماعة محظورة والتظاهر من دون إذن وزارة الداخلية. وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض عليهم أول من أمس خلال تظاهرهم مع نحو ثلاثة آلاف عضو آخر في الجماعة احتجاجاً على عدم إدراج أسماء «إخوان» في كشوف المرشحين لانتخابات المجالس المحلية في المحافظة.
وفرّقت قوات الأمن تظاهرة دمنهور بعد دقائق من تجمّع المشاركين فيها، واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع، فيما قالت مصادر أمنية إن 11 «إخوانياً» وأحد الجنود أصيبوا خلال تفريق آلاف المتظاهرين.
وأصدرت محاكم القضاء الإداري في محافظات مختلفة مئات الأحكام بإلزام السلطات قبول أوراق ترشيح أعضاء في جماعة «الإخوان» أو إدراج أسمائهم في كشوف الترشيح. لكن الجماعة تقول إن الأحكام لم تنفّذ. وأصدرت محاكم القضاء الإداري أحكاماً بوقف إجراء انتخابات المجالس المحلية في العديد من المحافظات ما لم تدرج أسماء أعضاء في الجماعة في كشوف المرشحين. وأحكام محاكم القضاء الإداري واجبة التنفيذ فوراً، لكن معارضين يقولون إن الحكومة لا تنفّذها إذا صدرت لمصلحتهم.
وكانت جماعة «الإخوان» تعتزم ترشيح أكثر من سبعة آلاف من أعضائها، من إجمالي عدد مقاعد المجالس المحلية التي تربو على 52 ألفاً، لكن كشوف المرشحين خلت من الغالبية الساحقة منهم.
وللجماعة تأييد شعبي واسع في محافظات دلتا النيل ومحافظات أخرى في شمال البلاد. وقال نائب المرشد العام للجماعة، محمد حبيب، «الناس كانت في غاية الاستياء، وبالتأكيد كان هناك نوع من الاحتجاج على عدم تنفيذ الأحكام... هؤلاء المرشحون يواجهون حزباً (حاكماً) وسلطة لا تحترم دستوراً ولا تقيم وزناً لقانون أو اعتباراً لأحكام قضائية». وأضاف «الناس تعبّر عن احتجاجها ورفضها».
وتقول الحكومة إن الجماعة محظورة، لكنها تسمح لها بممارسة أنشطة في حدود معينة، وترفض السماح لها بتكوين حزب سياسي قائلة إن «الدستور يحظر قيام الأحزاب على أساس ديني».
وللجماعة 88 مقعداً في مجلس الشعب. ويتقدم مرشحو الجماعة للانتخابات كمستقلين، تفادياً للحظر المستمر عليها منذ عقود من الزمان. وأرجئت انتخابات المجالس المحلية عام 2006 بعد مكاسب حققها «الإخوان» في انتخابات مجلس الشعب التي أجريت عام 2005.
والمجالس المحلية ليست على درجة عالية من الأهمية في إدارة الشؤون الجارية للمصريين، لكن يمكن لمقاعدها أن تكون مفيدة لجماعة «الإخوان» إذا أرادت في المستقبل أن تتقدم بمرشح مستقل لرئاسة الدولة.
وبحسب تعديل دستوري أجري عام 2005، يحتاج من يريد ترشيح نفسه مستقلاً للرئاسة إلى تزكية من 65 عضواً منتخباً في مجلس الشعب و25 عضواً في مجلس الشورى و140 عضواً في المجالس المحلية للمحافظات. ولا مقاعد لـ«الإخوان» في مجلس الشورى، الذي قالت الجماعة إن السلطات حالت دون ترشيح أعضاء فيها لانتخابات التجديد النصفي له التي أجريت العام الماضي.


مجلس الشعب يحظر التظاهرات في دور العبادة
أقرّ مجلس الشعب المصري أمس قانوناً يوجب الحبس والغرامة أو إحدى العقوبتين لمنظمي التظاهرات والمحرضين عليها، إضافة إلى المتظاهرين في دور العبادة، في خطوة قال المعارضون إنها تهدف إلى الحد من حرية التعبير.
وصدر القانون الجديد بموافقة غالبية أعضاء المجلس، الذي يتمتّع فيه الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم بغالبية كبيرة. وقال رئيس المجلس، أحمد فتحي سرور، إن «59 نائباً تقدموا إليه بعريضة، أفادت بأن القانون يكبّل الحريات، وخصوصاً حرية التعبير، كما هو مخالف للدستور والقانون، فرفضوا المشروع». وفي المناقشات التي سبقت صدور القانون، قال وزير الأوقاف محمود حمدي زقزوق إن «البعض يتخذ من المساجد مكاناً للتظاهر عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع. المتظاهرون يستدعون بعض القنوات الفضائية للترويج لأفكار سياسية لا علاقة لها بالدين».
وأوضح زقزوق أن تظاهرات نظّمت «لحرق أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل في الجامع الأزهر، وأخرى تندّد بإعدام الرئيس العراقي صدام حسين، وأخرى للاحتفال بحزب اللّه اللبناني لصموده أمام إسرائيل في حرب الصيف قبل الماضي».
إلاّ أن عضو المجلس الذي ينتمي إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، محمد البلتاجي، رأى أن «هذا المشروع يأتي ضمن مشروعات قوانين لحبس خصوم سياسيين وتقييد الحريات».
(رويترز)