strong>بول الأشقربعد عشرة أيام من التوتّر والتظاهر، وتوقف النقل العام وسقوط خمسة قتلى في صفوف المواطنين، وأيضاً قتيل وجرحى في صفوف قوات حفظ السلام الدولية، عرفت أزمة أسعار المواد الغذائية في هاييتي خاتمة مؤقتة مع قرار رئيس الجمهورية رينيه بريفال خفض سعر الأرز بنسبة 15 في المئة، وقرار مجلس الشيوخ إقالة رئيس الوزراء جاك إدوار أليكسيس. أربع سنوات على إقالة الرئيس جان باتيست أريستيد، وسنتان على انتخاب بريفال، تبدو هاييتي مجدّداً على حافة الهاوية.
هاييتي أفقر دولة في أميركا اللاتينية، ويعيش 80 في المئة من سكانها (8 ملايين ونصف) تحت خط الفقر. والبلد عاجز عن الاستقرار بسبب مشكلاته الاجتماعية الخانقة. بعد دكتاتورية دوفلييه الأب ثم الابن، تمت إطاحة اليساري أريستيد، أول رئيس منتخب ديموقراطياً، في بداية التسعينيات. إلا أنه عاد عام 1994 تحت ضغط هروب الهاييتيين إلى الولايات المتحدة. وخلفه بين عامي 1996 و2001 رئيس وزرائه المهندس الزراعي رينيه بريفال، الذي أعاد تسليم مقاليد الرئاسة إلى أريستيد، الذي أعيد انتخابه. عام 2004، شهدت هاييتي انقلاباً جديداً، ممزوجاً هذه المرة بحركة اعتراض شعبي وبرضى الولايات المتحدة وفرنسا التي أجبرت أريستيد على مغادرة البلد. ولملء الفراغ وأمام انهيار السلطة، تم تشكيل قوة حفظ السلام من الأمم المتحدة، تتقدمها البرازيل والأرجنتين والتشيلي بمشاركة دول عربية. وفيما تؤدي القوات الدولية (أكثر من عشرة آلاف) دور الذراع الأمنية للنظام، انتخب رينيه بريفال رئيساً للجمهورية للمرة الثانية في بداية عام 2006.
وككل انتفاضة تجري في هاييتي، بدأ التحرك في شمال البلد الكاريبي حول مدينة غوانافيس، وانتقل تباعاً إلى المدن الأخرى قبل أن يصل قبل أسبوع إلى العاصمة بورت أوبرنس. انفجار اجتماعي يعترض على سعر الأرز الذي تضاعف خلال آخر أسبوعين، وعلى سعر البنزين الذي ارتفع ثلاث مرات خلال آخر شهرين.
وقبل أن تكبر كرة الاعتراض، أعلن بريفال، أول من أمس، بعد اجتماع بالمستوردين، خفض سعر الأرز بنسبة 15 في المئة لفترة ستين يوماً وتوزيع الكلفة بين المستوردين والدولة. وظهر القرار «الرئاسي» نوعاً من الضوء الأخضر. وبعد ساعات، سحبت المعارضة الثقة من رئيس الوزراء، في مجلس الشيوخ، في جلسة تغيبت عنها الكتلة الموالية. بعد القرار، صرح بريفال بأن إقالة ألكسيس «هي ظالمة لأن جذور الأزمة موجودة في الخارج وفي السياسات التي دمرت الزراعة المحلية خلال آخر عقدين»، لكنه وعد بالتزام الدستور وتعيين رئيس وزراء جديد.
قد يستجيب العالم إلى النداءات لمنع انهيار كل ما جرى ترميمه خلال السنوات الأربع الأخيرة في هاييتي، علماً بأن الترميم في «صومال أميركا اللاتينية» يواكبه تفسخ موازٍ. على سبيل المثال، تراجعت الميليشيات، لكن هاييتي صارت محطة قارية في تجارة المخدرات وظاهرة خطف الأثرياء تزداد تفشياً. مأزق هاييتي أن تطبيع الوضع يتطلب سنوات طويلة، في وقت ليس فيه من المؤكد أبداً أن يصبر الوضع المتفجر.