شهيرة سلّوم«طلب لجنة تحقيق دولية» يمثّّل أولوية بالنسبة إلى حزب «الشعب»، الذي سعى جاهداً بعد اغتيال زعيمته إلى تأليفها، إلاّ أنّ طلبه لم يلق آذاناً صاغية داخلياً ولا دولياً. فالرئيس برويز مشّرف اتّهم رسمياً الزعيم البشتوني بيعة الله محسود بالاغتيال، ورفض طلب حزب الشعب تأليف لجنة «حريرية». وبرّر ذلك قائلاً: «حالة الحريري لا تشبه حالة بوتو. ففي اغتيال الحريري، أحد المشتبه فيهم دولة». وأضاف: «إنّ اغتيال بوتو جريمة داخلية».
ويقول أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية والجامعة الأميركية، شفيق المصري، إنّ «الحكومة الباكستانية يمكنها أن تطلب من الأمم المتحّدة التدخل، وترفع إليها طلب لجنة تحقيق، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّها ملزمة تأليف اللجنة». ورجّح أن ترفض المنظمة طلب الحكومة، مشيراً إلى أنّه في حالة الحريري، تدخّلت الأمم المتحّدة بعدما ألّفت لجنة تقصّي حقائق «وضعت صدقية السلطات اللبنانية موضع تساؤل»، لتؤلّف على أثرها لجنة دولية، وترافق هذا الأمر مع طلب من الحكومة اللبنانية ثمّ موافقتها، وبعد وصف جريمة الحريري بـ«العمل الإرهابي» في القرار 1595، فيما اغتيال بوتو هو «جريمة داخلية».
ووصفُ الجريمة بـ«الإرهابية» يسمح لمجلس الأمن الدولي بالتدّخل بموجب الفصل السابع، وذلك استناداً إلى القرارات الدولية المتعلّقة بـ«الإرهاب»، التي صدرت بعد حوادث الحادي عشر من أيلول 2001. صحيح أن المجلس، في حالة بوتو، أصدر بياناً صنّف فيه جريمة اغتيالها بأنها «عمل إرهابي يهدّد السلم والأمن الدوليين»، لكنّه اكتفى بذلك، من دون أن يتخذ أي خطوات أخرى.
اكتفاء يعود على الأرجح إلى طبيعة المصالح الدولية المرتبطة بهذا الحدث؛ فواشنطن دعمت منذ البداية، ومن ورائها حلفاؤها الغربيون، موقف جنرال باكستان، حليفها الاستراتيجي في الحرب على الإرهاب. ندّدت ودانت واستنكرت، لكنها رأت أن «لا داعي للجنة دولية». صحيح أنّ بوتو هي «ابنة الغرب المدلّلة»، إلاّ أنّ ذلك لا يكفي لتأليف لجنة تحقيق، فوضعها لا يشبه بتاتاً وضع الحريري.
فقد سعى البيت الأبيض منذ البداية إلى تقليص حجم آمال حزب بوتو. صحيح أنه رأى في هذه الجريمة محاولة لتقويض الديموقراطية التي تحارب «التطرّف والإرهاب»، ولمّح إلى أنّ تنظيم «القاعدة» يقف خلفها، لكنه رأى أنّ «تقديم المساعدة من جانب فريق التحقيق البريطاني مناسب، ولا ضرورة لقيام تحقيق يذهب إلى أبعد من ذلك اليوم».
أما فريق التحقيق البريطاني، فلم يحقّق في «من قتل بوتو»، بل في «كيف قُتلت بوتو»، وخَلُص في تحقيقاته إلى نتائج مشابهة للتحقيق الباكستاني: «بوتو قُتلت جرّاء ارتطام رأسها بسقف الحافلة التي تقلّها خلال التفجير الانتحاري».
يبدو واضحاً أن مطالبات حزب «الشعب» ولدت ميتة، وآن الأوان له لكي يدرك أن بوتو ليست الحريري، وأن صراع القوى على باكستان ليس كما هي عليه الحال في لبنان.