strong>معمر عطويرغم قرارات العقوبات الدولية الثلاثة التي صدرت عن مجلس الأمن ضد إيران، ورغم الضغوط الأميركية على العديد من الدول لقطع علاقاتها التجارية والاقتصادية معها، لا تزال هناك العديد من الثُّغر التي تجد فيها طهران متنفسّاً يمكن أن يُعوّض عليها بعض ما خسرته من الجانب الآخر. لعل هذه الثُّغر هي التي دفعت طهران الى أداء دور «المستغني»، حين أعطت شركتي «توتال» الفرنسية و«رويال شل» مهلة تنتهي في حزيران، لوضع اللمسات النهائية على اتفاقات في شأن تطوير مشروعين رئيسيين للنفط والغاز في الخليج، وحذرتاها من أنها ستخسر العقود.
لكن الثغرة الأهم في جدار المقاطعة الغربية، التي دفعت مسؤولين أوروبيين للاعتراض عليها بشكل غير مباشر، كانت الاتفاق الذي أجرته الشركة الإيرانية لتصدير الغاز مع الشركة السويسرية لتجارة الطاقة، والذي يقضي بتزويد سويسرا بالغاز الإيراني من الآن حتى 2011. ثغرة فتحت عيون بعض الدوائر الغربية على هذا «الخرق» لنظام العقوبات، ما دفع رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، إلى القول «خلال الأسابيع القليلة المقبلة، نريد توسيع الإجراءات والعقوبات (المفروضة على إيران) لتشمل الاستثمارات في قطاع الغاز الطبيعي المُسال».
وإذا كان انتقاد براون مبطناً في هذا الإطار، فإن الاتفاق الإيراني ـــ السويسري، الذي ينص على تزويد الشركة السويسرية بـ5.5 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، كان محل احتجاج واضح لدى الجانبين الأميركي والإسرائيلي: رأت واشنطن أنه يمثّل «رسالة سلبية»، ووصفته بأن «تورط... بموجب القوانين الأميركية». أماّ تل أبيب فقد أثارت أزمة دبلوماسية مع بيرن واستدعت السفير السويسري لدى تل أبيب، فولتر هابنر، «لمحادثة توبيخ».
الردّ السويسري على التصريح الأميركي كان مُفعماً بالثقة، إذ حرصت بيرن على التوضيح أن العقد «مطابق للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة... ولا يتعارض مع التوجهات الأميركية ضد التجارة مع طهران».
ورغم وجود حوالى عشر دول، بينها اليابان وفرنسا وإيطاليا، ترتبط مع إيران بعقود مماثلة، تعرضّت بيرن لانتقادات يهودية لاذعة، لا سيما من جمعية «انتي ديفاماسين ليغ» اليهودية ـــ الأميركية، التي اتهمتها بتمويل الإرهاب، في إشارة إلى أن «الأموال التي ستدفع لإيران ستستخدم في تمويل إطلاق صواريخ حزب الله في لبنان، وهجمات انتحارية في غزة، والبرنامج النووي الإيراني، أو تمويل مجموعات إرهابية عبر العالم».
وفي السياق، استطاعت طهران تحويل مسار علاقاتها الاقتصادية من الغرب إلى الشرق، في ظل مواصلة المفاوضات مع عدد من الشركات الآسيوية، التي من المرجّح أن تحل محل «توتال» و «شل».
إلاّ أن المفارقة تكمن في تردد بعض الشركات الأوروبية تجاه العمل في الجمهورية الإسلامية، وخصوصاً أن الاستثمار في قطاع النفط والغاز هناك يدرّ عليها أرباحاً وافرة. تردُّد قد يكون أحد أبرز تجلياته تصريح للرئيس التنفيذي لشركة «شل»، كريستوف دو مارغيري، حين قال في شباط الماضي «لم نحرق جسورنا مع إيران... سنتوصل إلى حلول للحفاظ على وجودنا في المدى الطويل».
لقد يمّم الإيرانيون وجههم شطر الشرق، فوسّعوا من نطاق التعاون مع روسيا في قطاعات حقل فارس الجنوبي. ويسعون في الوقت نفسه، بالتعاون مع المسؤولين في الكرملين، إلى إنشاء منظمة مصدّري الغاز في العالم على غرار منظمة «أوبك».
وثمة عقود وُقّعت بين إيران والصين تصبّ في هذا الإطار، وكان آخرها في كانون الأول الماضي، بقيمة ملياري دولار، ويخص تطوير حقل يادافاران النفطي.
إلى جانب ذلك، هناك مفاوضات متواصلة مع الجانبين الهندي والباكستاني بشأن مشروع بناء أنبوب غاز بين إيران وباكستان والهند. إضافة إلى خطط تطوير حقول نفط وغاز إيرانية بالتعاون مع مجموعة «هندوجا» الهندية.
وأدت الروابط الدينية داخل منظمة الدول الإسلامية دوراً في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين طهران وبعض دول شرق آسيا العملاقة، مثل أندونيسيا وماليزيا، حيث تطوّر شركات في هذه الدول حقولاً نفطية، بما يشير إلى أن قرارات العقوبات لن تُدمّر البنية الاقتصادية للنظام الإسلامي، رغم إصابتها ببعض الخلل.